&محمد الرميحي&&&

في الثلث الأخير من هذا الشهر سوف يعقد مجموعة من الناشطين مؤتمرًا دوليًا مستقلاً في نيويورك، تزامنًا مع انعقاد الجمعية العامة للأمم المتحدة، الهدف هو دراسة وتمحيص الاتفاق الإيراني - الدولي الذي عقد في 14 يوليو (تموز) 2015، والذي نتج عن مباحثات طويلة بين ما عرف بدول 5+ 1. المجموعة الداعية لديها شكوك عميقة في أن ذلك الاتفاق لا يمنع إيران من حيازة ما يعرف بسلاح التدمير الشامل، وترغب في عقد هذا المنتدى من أجل إثارة الموضوع على المستوى العالمي، وأيضًا رسالة إلى المتسابقين إلى البيت الأبيض بأهمية الموضوع. فتح الملف يشير إلى قلق بين بعض النخب الأميركية جراء الاحتمالات المقبلة، وهي نخب خارج الاستقطاب الحزبي الظاهر اليوم في الولايات المتحدة، وأيضًا للإشارة إلى المكان الأخطر الذي يمكن أن تذهب إليه إيران، أخذًا بمجمل سياساتها المتبعة.

الحقيقة التي أصبحت معروفة أن جزءًا من متخذي القرار في إيران راهن على نيات الرئيس باراك أوباما التي في مجملها البعد عن المواجهة، والبحث عن هوامش مشتركة لحل النزاعات في الملفات الدولية الساخنة، ومنها الملف الإيراني فيما سمى بعقيدة أوباما، هذا الرهان هو الذي جعل الإدارة الإيرانية تسعى للوصول إلى اتفاق ما أثناء فترة إدارة السيد أوباما، ولم يكن ذلك سرًا، فقد قيل علنًا في طهران إن لم نحصل على اتفاق الآن فلن نحصل عليه. جزء غير يسير من إدارة أوباما راهن أيضًا على ذلك الاتفاق، الذي يُرضي «الغرور الوطني الإيراني»، وتذهب المراهنة إلى تصور أنه سوف يقلل من «شطط» السياسة الإيرانية، وقد يشجع استقرار الطبقة الوسطى الإيرانية، على أمل أن تقوم بالعمل على تغيير مسارات التشدد! كان هناك مراهنات من الطرفين.

بعد أكثر من عام على الاتفاق تبين أن تلك المراهنات لم تكن دقيقة. فلا المال الذي وصل إلى الخزانة الإيرانية بعد الاتفاق صُرف بشكل كبير على التنمية، ولا قلّل من «شطط الإدارة الإيرانية» في الجوار وفي العالم، وأوصلها إلى منطقة الانسجام مع النظام العالمي، ومن جهة أخرى لم تأخذ الولايات المتحدة من الاتفاق كل ما أرادت، وهناك جسم من التفكير الأميركي يقول إن جل ما فعلته الإدارة الأميركية الحالية، باختيار سياسة «الوداعة» هو تأجيل الملف بدلاً من حله! من هنا نما لدى كثيرين مخاوف حقيقية بإمكانية الوصول الآجل لصنع القنبلة النووية الإيرانية، الاتفاق آخرها زمنًا، ولم يُلق احتمال الحصول عليها.

أيا كان سيد البيت الأبيض أو سيدته بعد الانتخابات في نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل، فإن العلاقات «الأميركية - الإيرانية» لن تكون «العمل كالمعتاد».. الأقرب إلى الاحتمال بأن الإدارة الجديدة، أيًا كانت، سوف تنبذ سياسة الوداعة والقيادة من الكرسي الخلفي في الكثير من الملفات، على رأسها الملف الإيراني و«الشرق أوسطي»، هناك تغير ما سوف يحدث، إشارات التغير بدأت تظهر في عدد من المواقف، أحدها الندوة الدولية التي أشير إليها سابقًا ولكن ليس فقط.

سيد البيت الأبيض المقبل، سواء دونالد ترامب (وهذا احتمال ضئيل ولكنه ممكن) أو السيدة هيلاري كلينتون (وهذا احتمال مُرجح) سيكون هناك تفكير مختلف، أخذًا بالمتغيرات الضخمة الحاصلة والمزاج المتذبذب، على رأسها تلك الضغوط الاقتصادية الداخلية والآثار الكارثية على المستوى الدولي، وفشل سياسة إدارة أوباما الثنائية في ترويض الأعداء أو كسب ثقة الأصدقاء!

في الحالة الأولى (الاحتمال الضئيل، أي وصول السيد ترامب) فالقراءة هنا عسرة إلى حد كبير، كون الرجل وطاقمه الأقرب ليس لديهم سيرة سياسية أو آراء سابقة واضحة في الكثير من الملفات يمكن الرجوع إليها، إلا أنه مما رشح حتى الآن في هذا الصدد، أن ترامب في أكثر من تصريح عاب على الإدارة الحالية احتمال تسليم النظام الإيراني «بلايين الدولارات» التي سوف تستخدم في دعم «الإرهاب»، كما رشح أنه لا يمانع بوضع «رجال على الأرض» من أجل الدفاع عن مصالح أميركا، ووضع اللوم في ظهور «داعش» على الإدارة الحالية بسبب تراخيها، كما استهزأ «بالخطوط الحمراء» التي تحدث عنها أوباما!، وعلى الرغم من أن خطاب ترامب انعزالي في توجهه العام، فإن شبكة الإدارة التي يمكن أن تأتي معه (إن حصل) تحمل ملف الكراهية للآخر، وخصوصًا ما يوصف بالإرهاب وتصدير «اللاجئين والإرهابيين».

قراءة موقف الطرف الآخر، هيلاري كلينتون أكثر سهولة في هذا الملف، فهي الأكثر معرفة بالشرق الأوسط أكثر من أي رئيس سابق، ولديها الكثير من الكتابات والتصريحات في الكثير من الملفات. قبل توقيع الاتفاق بأسبوع (قبل 14 يوليو 2015) قالت مخاطبة مجموعة صغيرة في كلية دارموث «أرجو أن نحصل على اتفاق مع إيران في الأسبوع المقبل، حتى لو حصلنا على ذلك الاتفاق، سوف نواجه مشكلات رئيسية، فإيران هي الدولة الرئيسية في العالم التي تناصر الإرهاب». كما قالت في مكان آخر: «من الواجب أن نكون متشددين وأذكياء في التفاوض مع إيران قبل أن يفوت الوقت». وفي عام 2014 في مقابلة لها مع مجلة «أتلانتك» قالت: «كنت دائمًا مع الموقف الذي يقول إن إيران ليس لها الحق في تخصيب اليورانيوم، ليس هناك شيء اسمه الحق في التخصيب». أما أقوى تصريحاتها فقد قالت: «لو كنت رئيسًا للولايات المتحدة فسوف نهاجم إيران ونحن قادرون على إزالتها». وفي تصريح آخر، قالت: «أنا أؤيد تسمية الحرس الثوري الإيراني كما هو (منظمة إرهابية)». الكثير من التصريحات العلنية تذهب ذلك المذهب، وفي كتابها أيضًا أشارت تلميحًا إلى أنها «مختلفة مع السيد فلاديمير بوتين في الموضوع السوري، إلى درجة أنه لا يطيقني»! قد لا يتطابق الواقع على الافتراض، إلا أن الاحتمال قائم.

زبدة الموضوع أن الأمور لن تكون كما كانت في الإدارة المقبلة، أي ممارسة النفور من المخاطر كما سار عليها أوباما، هذا التصور لا يخفى على الإدارة الإيرانية، بل إن خطواتها التحوطية تنم عن ذلك الفهم، فقد قامت أخيرًا بالتحرش بالقوة الأميركية في الخليج مرتين! وإعلان صريح بتحصين المواقع النووية في إيران بمنظومة صواريخ روسية! والدفع بقوة في ملفات العراق وسوريا واليمن وغيرها لإظهار الشوكة الإيرانية وتحقيق انتصارات. ومن جانب آخر بناء تحالفات مع الاتحاد الروسي، والسماح له باستخدام القواعد العسكرية الإيرانية! على عكس عقيدة أوباما فإن الضغط المتوقع على إيران سوف يشعل الشقاق بين المتشددين، من الحرس الثوري وحلفائه، وبين المعتدلين الذين سوف يشاع عنهم أنهم خسروا الرهان، وما أخبار التوقيفات والاتهامات التي تطال بعض رجال «الاعتدال» مؤخرًا إلا مقدمة لذلك الصراع المحتمل. يزيد من تفاقم الصراع أربع مدخلات مهمة؛ الأول هو تراجع أسعار النفط، والثاني هو تأثير ثورة الرقمنة في المجتمع الإيراني، والثالث أن «فاكهة الاتفاق الموعودة» لم تذق منه الشعوب الإيرانية شيئًا يذكر! أما الرابع فهو اختلاط الفساد بعدم تحقيق أي انتصارات في الجوار، ذاك سوف يزيد من التوتر في الداخل الإيراني، بل سوف يفاقم الصراع.

القراءة الحصيفة تقول إن أفضل رئيس للولايات المتحدة بالنسبة لإيران هو الرئيس الذي لا يأخذ موقفًا من الملف النووي الإيراني، ولا يتدخل في العراق أو سوريا أو اليمن، ويترك إيران تأخذ المقعد الأمامي في شؤون الشرق الأوسط، ذلك الرئيس لا يتوقع أن يعود من جديد إلى البيت الأبيض.

آخر الكلام:

لم تكن السياسة الخارجية تؤثر كثيرًا لدى الناخب في الديمقراطيات الغربية، حتى انتشر الإرهاب في مدنهم ومطاراتهم، وتكاثر اللاجئون على أبوابهم، فأصبحت السياسة الخارجية أمرًا له أهمية لدى الناخب.

&

&