&&أحمد الجميعة&

تبدأ غداً الأحد أعمال قمة مجموعة العشرين في مدينة هانغتشو الصينية تحت عنوان عريض: «نحو اقتصاد عالمي ابتكاري ونشط ومترابط وشامل»، وهي المرة الأولى التي تستضيف فيها الصين أعمال هذه القمة، ويعوّل عليها كثيراً في إيجاد حلول مبتكرة لتباطؤ نمو التجارة العالمية الذي لم يتجاوز (2.8%)، ولم يُظهر علامات واضحة على الانتعاش منذ الأزمة المالية العالمية العام 2008، إلى جانب تقلب الأسواق المالية والنفطية تحديداً، وضعف أداء أسواق الدول الناشئة، وهي عوامل مجتمعة أدت إلى تراجع مقلق، وربما مخيف على مستقبل التجارة والاستثمار العالمي، وحجم الطلب على السلع والخدمات.

&وعلى الرغم من أن الصين ترفع شعار «الابتكار الصناعي والتقني» في هذه القمة لتجاوز العقبات وتقريب وجهات النظر، ومنظمة التجارة العالمية ترفع شعاراً آخر في «تيسير التجارة» لخفض التكاليف وتوحيد التعريفات عالمياً، إلاّ أن الملك سلمان في قمة أنطاليا التركية العام الماضي اختصر الحل في كلمته التي وجدت صداً كبيراً، قائلاً: «إن عدم الاستقرار السياسي والأمني معيق لجهودنا في تعزيز النمو الاقتصادي العالمي»، وهذه الحقيقة التي يجب أن يدركها الجميع دول ومنظمات؛ فلا يمكن أن يكون هناك نمو اقتصادي ونيران الحرب مشتعلة في أكثر من مكان، ولا يمكن أن يكون هناك استقرار سياسي يجذب رؤوس الأموال والإرهاب الأجير يضرب في كل مكان، مدعوماً من قوى دولية، وتدخلاً سافراً من دول ترعى الإرهاب ومليشياته.

&

المملكة التي تحضر إلى قمة العشرين في الصين برئاسة ولي ولي العهد مازالت ترى في تعزيز السلم العالمي سبباً رئيساً في ازدهار التجارة العالمية، وحلولاً لقضايا الفقر والبطالة والإرهاب، وانطلاقاً إلى علاقات أقوى بين الأسواق، وتفاهماً على نطاق واسع بين مسيّري العرض والطلب، وتلاقياً للمصالح البينية، إلى جانب تعزيز مظاهر الإصلاح والتنمية المستدامة، وهذا كله لن يتحقق إلاّ مع الأمن والاستقرار مهما كانت حلول انتعاش الاقتصاد العالمي، ومبادرات الفاعلين فيه، ورؤية المختصين في تقديم صناعة ابتكارية نوعية وعصرية.

&

وعلى هذا الأساس كان الخطاب السياسي السعودي أمام اجتماعات قمة العشرين السابقة يرتكز على أهمية الاستقرار السياسي والأمني قبل الحديث عن أي نمو اقتصادي، والتذكير بقضايا أخرى مهددة لهذا الاستقرار، وأهمها تمويل الإرهاب، وغسل الأموال، وتجارة السلاح والمخدرات، وأعمال القرصنة البحرية، والتجسس والاختراقات الإلكترونية، وجميعها تؤدي إلى حالة فوضى في أي مجتمع، وبالتالي عجزاً اقتصادياً متوقعاً، وسقوطاً سياسياً في أي وقت.

&

المملكة تحظى بتقدير عالمي، وثقل اقتصادي، وعلاقات سياسية وأمنية واقتصادية ممتدة على خارطة هذا العالم، ومع ذلك لم تنحاز إلى مصالحها على حساب مبادئها، بل تجمع بينهما في مهمة نهوض جديدة مع عالم مختلف، ومتعدد الأقطاب، والتوجهات؛ فهي تتحدث إلى أكبر عشرين اقتصاد في العالم ليس كعضو فقط، وإنما كقوة مؤثرة في صناعة القرار، وصوتاً أميناً لمصالح المنطقة العربية، ونزيهاً في ترجمة حضورها بما يليق بمكانتها وإمكاناتها.

&

ولي ولي العهد يتحدث إلى القمة وأمامه مشروع رؤية واضح نحو 2030، ومبادرات وطنية طموحة لمرحلة ما بعد النفط 2020، وتسويق شراكة ومشاركة في الأفكار والمشروعات لتوطين الصناعات، وجذب المستثمرين، والتحول إلى دولة منتجة وليست مستهلكة، وهو التحدي الأكبر أمام طموحات وطن يتشكّل على واقع الاقتصاد العالمي الجديد.. مؤثراً فيه ومتأثراً به، ويبني علاقاته مع الأقوياء، ويكون حاضراً بينهم، ومتواصلاً معهم، ويحظى بثقتهم، وهذا مكسب آخر لتسويق استثمارات المملكة في الخارج، وفي هذا التوقيت، وأمام هذه التحديات الأمنية والعسكرية التي تمرّ بها المنطقة، ومع ذلك، وأكثر من ذلك تبقى المملكة وجهة مطلوبة للاستثمار، وصوتاً نزيهاً في اتخاذ القرار، وشريكاً يُعتمد عليه في تجاوز تحديات العالم الاقتصادية.