&نداء أبوعلي من الرياض&

الأفلام القادرة على تخطي حاجز الزمن، والحفاظ على قيمتها وأصالتها، هي الأفلام الناجحة التي لا يسعنا إلا أن نظل نعتبرها من أهم كلاسيكيات الأفلام. وذلك ينطبق على الفيلم الأمريكي الدرامي "كل شيء عن حواء"، الذي أخرجه جوزيف مانكوفيتش في عام 1950، ليترشح لـ 14 جائزة أوسكار ويحصد ستة منها، ولم يحدث ذلك في تاريخ جوائز الأوسكار باستثناء فيلم "تايتانك" لعام 1997 الذي ترشح لنفس العدد من الجوائز، كما ترشحت من طاقم الفيلم الكلاسيكي أربع ممثلات لجائزة الأوسكار لأفضل ممثلة، ويعد ذلك الترشح الكبير حادثة نادرة تعكس تميز طاقم التمثيل.

&طاقم لامع

&

ما الذي ميز الفيلم بأبيضه وأسوده؟ تظهر انسيابية في أحداثه واتساق لطاقم التمثيل على الرغم من العدد الكبير منهم بأسماء لامعة وحضور قوي لافت، حتى وإن كان عارضياً سريعاً كظهور الممثلة مارلين مونرو في دور صغير في أول مشوارها السينمائي. لا تشعر بطول مدة الفيلم إذ تجاوز الساعتين بـ 18 دقيقة، إلا أنه كما يظهر العنوان يتطرق إلى نسق واحد يدور حول فلك قصة إيف هارينجتون التي يأتي اسمها الأول بمعنى حواء، وقد نجحت في تأدية دورها الممثلة آن باكستر ذات الملامح البريئة التي نجحت في استعطاف الآخرين، وبالأخص نجمة مسرح برودواي مارجو تشاننج، التي أدى إظهار آن هوسها وافتتانها بها إلى نجاحها في مراقبتها وتقمص شخصيتها، ومن ثم التسلق الاجتماعي والمهني ومن ثم الوصول إلى النجومية.

&

ثيمات أنثوية

&

"كل شيء عن حواء" وإن كانت كل حواراته تتمحور حول شخصية إيف، بطموحها ومخططاتها الدفينة التي يكتشفها محيطها تدريجياً، إلا أن حضورها باهت إذا ما قورن بدور مارجو الذي تميزت به الممثلة الأربعينية آنذاك بيتي دايفز، عن دورها كامرأة آخذة في الاضمحلال بسبب تقدمها في السن، ومحاولة انتزاع الشابة إيف النجومية منها. يجسد الحضور القوي لدايفز ثيمات الفيلم الأنثوية المتعلقة بالخوف من التقدم في العمر والنرجسية المرتبطة بعالم التمثيل. الأمر الذي تم التطرق إليه في أعمال سينمائية أخرى في الوقت نفسه، ففي ذات العام 1950 تم إخراج فيلم "جادة الغروب" ليتطرق إلى انحسار الشهرة عن ممثلة تقدم بها العمر، على طراز الكوميديا السوداء، وإن كان فيلم "كل شيء عن حواء" وأداء دايفيز أكثر اقتراباً من الواقع.

&

أحداث انسيابية

&

تظهر مواقف بسيطة غير متضخمة، وكأنها تراكمات أدت إلى حالات انهيار متطرفة، كسهرة مسائية بديعة أعدتها مارجو لتتصاعد فيها أحداث نتيجة ثمالتها وهو ما يدفعها لأحاديث أكثر جرأة ووقاحة. الأمر الذي أدى إلى ظهور عدد من المقولات في الفيلم بتلقائية جميلة، لتتأرخ فيما بعد لتصبح شهيرة كعبارة مارجو الساخرة استعداداً لأحداث الحفل الذي أقامته: "اربطوا حزام الأمان، ستكون ليلة وعرة"، وذلك في إشارة إلى توقعها حدوث عديد من الأحداث الصاخبة في الحفل.

&

&

بوستر الفيلم.

&

فغضب وتعالي مارجو على الآخرين يظهر في أكثر من حوار بديع، كحوارها مع خطيبها بيل سامبسون الذي يتساءل بتعجب: "أليس لديك أي اعتبار للإنسانية؟" ، لتجيبه مارجو بتعجرف وتعال: "أرني إنساناً، وقد أظهر بعضاً من ذلك". ذلك هو الحضور الفخم لبيتي دايفس التي قلبت دفة الفيلم لتجعله يستحق عنوان "كل شيء عن مارجو"، هي التي تصاعدت قسوة وسطوة شخصيتها في حال ظهور تنافس يهدد وجودها، ولا سيما في الوقت الذي تحاول فيه إيف إقناع الآخرين بأن الدور الذي ترغب مارجو في تأديته لا يناسب عمرها المتقدم. فيما يظهر استخدام للرمزية بأسلوب مندمج مع الأحداث كتوقف السيارة التي تقل مارجو، الأمر الذي يتيح المجال لإيف للحصول على الدور لتسليط الضوء عليها والحصول على الدور الذي ترغب فيه.

&

تحقيق الرغبات

&

في مجتمع مخملي يبدو وكأنه طموح كل شخص للوصول إلى النجومية والنجاح والجمال الأبدي، يخفي كل ذلك رغبات دفينة، ومحاولات مستميتة للقيام بأي شيء لتحقيق كل ذلك. كرغبة مارجو في إيقاف عمرها عن التقدم وإن أدى ذلك إلى القيام بمحاولة التحقير والاستهانة بأي شخص يشكل تهديداً لها. فيما تأتي رغبة إيف في الوصول إلى النجومية وإن تسبب ذلك بتجاوز الآخرين حتى وإن كانت تعتبرهم نموذجاً وقدوة يحتذى بها، فيما تظهر رغبات شخصيات أخرى جانبية كبيل الذي يطمح في الزواج من محبوبته وإقناعها بأن كل شيء لا يزال على ما يرام.

&

فروقات طبقية

&

من جهة أخرى تلك الوصولية التي جسدتها حواء، أشبه بتجسيد للفرق الطبقي ومحاولة الطبقة المدقعة الصعود إلى الطبقة المخملية اللامعة بصعوبة، وإن كان عنفوانها يطغى على تقدم وكهولة الطبقة البورجوازية بطقوسها البالية والعديدة، وإن كانت الطرق للصعود ملتوية. فالوصول إلى النجومية والنجاح هو المسعى الأول والأخير، وإن كان يتطلب النفاق الاجتماعي وتضخيم الإعجاب بالآخر. فالنفاق وإخفاء الرغبات يظهر في فيلم "كل شيء عن حواء" وكأنه أفضل من إظهار الآراء الصريحة بالآخرين، أو التصرفات النزقة التي تتسبب في إقلاق الآخرين وإرباكهم.