شملان يوسف العيسى

تتعرض دول الخليج العربية مثل غيرها من دول العالم لتقييم وقياسات التنمية في كل المجالات، ومعظم هذه التقارير تصدر من منظمات غير حكومية أو من الأمم المتحدة أو من وزارة الخارجية الأميركية والشركات الخاصة.

هذه التقارير يطلع عليها أصحاب القرار في الدول المتقدمة والشركات العالمية التي تستثمر في كل بقاع المعمورة، والأمثلة على ذلك كثيرة، فإذا أرادت إحدى الشركات أو البنوك العالمية أن تفتح لها مقًرا إقليمًيا في منطقتنا تستند في الاختيار إلى أمور كثيرة؛ منها تقارير الجمعيات الحقوقية (حقوق الإنسان) ومستوى التعليم والوضع الصحي والخدمات العامة ومعاملة الأجانب وغيرها من الأمور.

من مراجعة هذه التقارير نرى أن بعض دول الخليج النفطية في مؤخرة التقارير الدولية في معظم القياسات ما عدا الخاص بها كالتعليم أو الصحة أو وضع الفساد والشفافية وغيرها.. أيًضا هنالك تفاوت كبير بين دول الخليج نفسها. بعض دول الخليج أدركت أهمية التقارير الدولية وبدأت باتخاذ إجراءات تحسن من صورتها في الخارج بتغيير تشريعاتها لتتلاءم مع المطالبات الدولية. آخر التقارير الدولية التي نشرت في الأسبوع الماضي عن طريق الإنترنت يعود لمؤسسة «إنتر نيشنز» Inter Nations التي تجري استبيانات ميدانية للأجانب العاملين في الخارج، وتتركز معظم الأسئلة حول مدى رضاهم عن وضع البلد الذي يقيمون فيه من
حيث المعاملة الإنسانية والرواتب ونوع العمل والاستقرار الوظيفي وسهولة الانتقال والإقامة ومدى المعاملة الحسنة لهم في بلدان الضيافة.

ما يهمنا في التقرير هو أن بعض دول الخليج جاء ترتيبهما أفضل من بقية دول الخليج التي جاء ترتيبها في مؤخرة الترتيب الدولي، وجاءت الكويت كأسوأ دولة في إقامة الوافدين مما خلق زوبعة من الاحتجاجات بين أعضاء مجلس الأمة والحكومة والصحافة، وقد تركز رد فعل الكويت على لوم المسؤولين عن هذا التقرير والشك في المنهجية المتبعة، بدلاً من النظر في السلبيات الموجودة في بلدنا الكويت.

الحقيقة المرة أن دول الخليج تعتمد اعتماًدا شبه كلي على العمالة الأجنبية حتى أصبحنا أقلية في بعض بلداننا.. فالأجانب يشكلون الأغلبية السكانية والأغلبية في سوق العمل، مثلاً في بلدي الكويت. يشكل المواطنون ما نسبته 30 في المائة من مجموع السكان والأهم من ذلك أن المواطنين في سوق العمل لا يزيدون على 15 في المائة من مجموع العمالة ومعظم المواطنين يعملون في القطاع العام الحكومي غير المنتج، بينما الأغلبية من العمالة الوافدة في القطاعات الإنتاجية والخدماتية.

في السابق، أيام العز والطفرة النفطية، كانت الشركات الأجنبية والموظفون الأجانب يأتون إلى الخليج مقابل عقود الدولة وبصورة مؤقتة، والآن تغيرت الأمور وأصبحت الدولة في حالة عجز وترغب في استقطاب الشركات العملاقة للاستثمار في بلداننا وخلق فرص عمل للمواطنين لتخفيف الضغط عن الدولة التي لم تعد قادرة على الاستمرار في مفهوم الدولة الريعية.

هذا الواقع الجديد يفرض علينا تغير التعامل مع الشركات والمؤسسات الدولية التي تصدر هذه التقارير، وهذا يتطلب المصارحة مع النفس ونقدها وعدم التصور بأننا أفضل دول العالم في تعاملنا مع الأجانب في بلداننا.

بعض دول الخليج بدأت تنافس مدًنا أخرى عالمية على استقطاب رؤوس الأموال والبنوك والشركات الأجنبية، ومعنى ذلك لا يمكن تجاهل أو إهمال التقارير الدولية والدراسات التي تصدرها، فنحن اليوم نعيش في عصر العولمة والانفتاح السياسي والاقتصادي ونحن جزء من المنظومة العالمية التي لديها مقاييس ومعايير دولية واضحة، إما أن نقبل بها ونتعامل بشكل إيجابي معها، أو نعزل أنفسنا عن دول العالم ونبقى جزًءا من العالم الثالث المتخلف.