خالد عباس طاشكندي

أثار رواد التواصل الاجتماعي خلال الأسابيع القليلة الماضية جدلاً واسعاً على موقع «تويتر» حول قضية «الولاية» التي كان النقاش فيها شبه محسوم لعقود لصالح الرجل، ليوقظه الجيل الافتراضي بهاشتاق «إسقاط ولاية الرجل» و«سعوديات نطالب بإسقاط الولاية»، وهاشتاق مضاد بعنوان «لن تسقطي الولاية وسمعيني صياحك»، وهو ما يدفع الكثيرين لطرح العديد من التساؤلات الشائكة فقهياً حول مناقشة مسألة إسقاط ولاية الرجل على المرأة، أو ما تنص عليه الأنظمة، وقابلية الاجتهاد الفقهي في إعطاء المرأة مزيداً من الحقوق المشروعة في ظل المتغيرات الزمنية وظروف الحياة.

وبروز مثل هذا النوع من السجالات أخيرا لا شك أنه نتيجة لتفاقم العديد من القضايا الاجتماعية ذات العلاقة، فعلى سبيل المثال لا الحصر، كثرت في السنوات الأخيرة حالات عضل الفتيات العاملات عن الزواج بهدف استفادة «أولياء أمورهن» من الراتب، واعتدنا أن نشاهد ونسمع عن حرمان أرملة ستينية من السفر بسبب عدم موافقة ابنها العشريني، أو أن تحرم امرأة نابغة في تخصص ما من الالتحاق بالبعثة في جامعة عالمية لعدم موافقة ولي الأمر، أو أن تحرم سيدة مطلقة لديها عدد كبير من الأطفال من العمل والحصول على وظيفة تسد بها أدنى احتياجاتها بسبب تعنت ولي أمرها، أو أن تساوم امرأة على إرثها مقابل موافقة وليها في شأن ما كالزواج أو السفر أو العمل، وهذا الحد من التسلط والتعسف ما هو إلا انعكاس للآراء المتشددة التي أوجبت ولاية مطلقة للرجل، وجاءت تحديداً في الخطاب الصحوي الإسلاموي الذي بلغ حد الغلو في انشغاله المبالغ كثيراً بقضايا المرأة والتركيز على تغييب دورها كشريك في المجتمع وجزء لا ينفصل عنه.

كما أن قضية «الولاية» أيضاً بها العديد من المتناقضات فيما يخص الأنظمة واللوائح، والتي تعد غير واضحة بل ضبابية إلى حد بعيد، فبالرغم من أن نظام العمل الساري حالياً لم يعد يشترط عند توظيف المرأة موافقة مسبقة من ولي الأمر كما كان في السابق، إلا أن هذا النظام لا يفرض على الشركات ومؤسسات القطاع الخاص عدم اشتراط موافقة ولي الأمر، إذ تضع الكثير من الشركات هذا الشرط عند توظيف النساء تحسباً من إقدام أولياء الأمور على منعهن من الذهاب للعمل وما يترتب على ذلك من أضرار مادية على صاحب المنشأة.

وحول مسألة سفر المرأة إلى الخارج، فإن نظام وثائق السفر في المملكة لم «ينص» بوضوح على شرط موافقة الولي للمرأة بالسفر، إذ إن المادة الثامنة والعشرين تحت الفصل السابع من هذا النظام وهي المادة الخاصة بسفر المواطنات للخارج، فهي تنص على أن «سفر المواطنات للخارج يتم وفقاً للتعليمات المرعية»، ولم تُذكر ما هي هذه التعليمات ضمن مواد النظام نهائياً؛ أي أنه لا يوجد نص نظامي قانوني يشترط حصول المرأة على موافقة ولي أمرها عند السفر إلا من هم دون سن الـ21، حيث تنص المادة التاسعة والعشرون من النظام على أنه «لا يجوز سفر من هم دون سن الحادية والعشرين للخارج إلا بعد حصولهم على تصريح من قبل إحدى إدارات الجوازات يتضمن موافقة ولي الأمر أو بموجب إقرار خطي من ولي الأمر مصدق من أي جهة حكومية».

أما بالنسبة إلى الجوانب الشرعية، فتوجد مؤشرات عديدة تدل على أن باب الاجتهاد الفقهي في مسألة الولاية ممكن، وأن فرض هذه الولاية ليست محل إجماع، وهناك من علمائنا الأفاضل من أجازوا سفر المرأة بلا محرم، وأوضحوا أن سبب عدم جواز سفر المرأة بدون محرم هو الخوف عليها من الاعتداء خصوصاً في السفر قديماً، أما مع الوسائل الحديثة كالطائرات فالمدة في الغالب يسيرة ولا يستطيع أحد الاعتداء عليها، وبالأمس، أكد عضو هيئة كبار العلماء الشيخ عبدالله المنيع في تصريحات إلى «عكاظ» بأن المرأة ولية نفسها في كافة أمور حياتها ولا ولاية عليها إلا في النكاح، ولها مثل ما للرجل من حقوق.

بل وحتى في مسألة ولاية المرأة، هناك من يرى بأنه ليس في الإسلام ما يحرم ولاية المرأة، مستندين في ذلك إلى قوله تعالى: (والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر)، حيث ساوى الله بين الرجال والنساء في إقامة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وهما من الولايات العامة، ومشاركة النساء في مبايعة الرسول صلى الله عليه وسلم في بيعة العقبة الكبرى، بها دلالة على مشاركة المرأة في صناعة القرارات السياسية المهمة، وبناء على ذلك، ولّى سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه الصحابية الشفاء بنت عبدالله العدوية القرشية أمر الحسبة.

والقصد من كل هذا، هو أن الجدل المثار حول قضية «الولاية» هو نتيجة للمتغيرات والأحداث التي طرأت مع الزمن وتغير أنماط الحياة التي باتت تستدعي اجتهادات وفتاوى جديدة تستوعب هذه المرحلة، أو بمعنى أدق، تطبيق فقه الأحداث أو الواقع الذي نعيشه لنتساير مع طبيعة هذه الحياة.