الياس الديري

سُئِلتُ وتساءلت، ألم يكن من الأفضل والأجدى أن يعلن "حزب الله" على الملأ، وعلى جميع اللبنانيّين، تضامنه مع لبنان والمصلحة الوطنيَّة، داعياً جميع الوزراء والمعنيّين الى عدم مقاطعة الحكومة وجلسات مجلس الوزراء، والتعاون الى أقصى الحدود في هذه الظروف الصعبة؟

بل، الإلحاح على عقد المزيد من الجلسات. وإقرار المزيد من القوانين والمشاريع التي تعيد بعض الحيوية والنشاط، وبعض مظاهر الحياة الى البلد "المقطوع الرأس"، والى الناس الذين بدأت لقمة العيش تقضّ مضاجعهم...

ألم تكن دعوة كهذه تفوق أهميَّة جميع الأسباب التي أدّت الى اتخاذ موقف المقاطعة؟

أما السبب فهو معلن فوق الصنوبر، والإزدرخت، وعلى السطوح وشاشات التلفزيون، إنه بدافع إظهار التضامن مع الحليف العزيز الجنرال ميشال عون... الحريص جداً ودائماً على مصلحة لبنان واللبنانيّين، والتضحية بالغالي قبل الرخيص، وقبل الكراسي، في سبيل هذا الوطن اليتيم الذي لا أبناء له بل متاجرون به...

غريب عجيب أمر هؤلاء الوزراء، وأمر هذه الحكومة التي تصطاد جلساتها المعدودات بصنّارة لا تختلف عن صنّارات صيد السمك. فلِمَ لا يحاول بعض الوزراء على الأقل، وبعض أصحاب الموْنة على آخرين منهم، أن يأخذوا مصلحة لبنان في الاعتبار من وقت الى آخر، ونسبياً؟

لهم أسبابهم، ربما. على غرار أسباب وزراء عون، والموقف التضامني لـ"حز ب الله".
كم يحتاج هذا اللبنان، في هذه الساعات، والساحات، والظروف العصيبة، الى رجالات يتقنون التضحية بالانانيّات والمصالح الخاصة والمكاسب، حين تكون مصلحة لبنان في الدق.

فلو كان في الساحة السياسيَّة أشباه لأولئك الكبار، لأهل الوطن والوطنيّة، لما كان لبنان قد وصل الى حيث هو اليوم: بلا رئيس، ولا حكومة، ولا مجلس نواب، ولا مؤسَّسات، ولا دولة. ولَمَا كانت الافلاسات بالجملة. ولَمَا كان كل هذا الجمود، وهذا الانهيار الشامل... وعلى كل الصعد والمستويات.

ألا يكفينا الفراغ الرئاسي المفتعل، والذي لم نسمع وزيراً، أو نائباً، أو متزعّماً، أو مرجعيَّة، أو رئيس حزب كبير صغير يتحدّث باستنكار عن هذا "الاعتداء" المباشر على استقلال لبنان وسيادته وحريته ودولته ونظامه وشعبه وعناتره ومتعنطزيه ومتغطرسيه...

فأين الزعماء، وأين المسترئسون الذين ينامون ويصحون وهم يحلمون بكرسي الرئاسة؟
إنهم جميعهم ينتظرون الأوامر كالعادة، والأوامر تأخَّرت، وستتأخر لاحقاً.