&عادل مهدي

أكد الأكاديمي الاقتصادي عصام المحاويلي، أن العراق يحتاج بشدة إلى إنشاء صندوق سيادي في أسرع وقت ممكن، لأنه سيكون ضمانة للأجيال المقبلة، «ولو كان للعراق صندوق سيادي لما لجأ إلى الاقتراض الخارجي وطلب الدعم من دول مانحة ومؤسسات نقدية عالمية»، موضحاً أهمية وجود هذا الصندوق في ظل الظروف الحالية لأنه سيعمل كضمانة ضد تقلبات أسعار النفط الخام والحد من تداعياتها على موازنة البلد.

وقال في حديث إلى «الحياة» أن الصندوق السيادي تجربة اقتصادية مالية ذات أبعاد مهمة يحتاج العراق إلى أن يخوضها، فهي تعد أفضل وسيلة معتمدة عالمياً للتوفير الاستثماري للأجيال المقبلة، لا سيما أن الظروف تتطلب الإسراع في درس هذه التجربة وتطبيقها بما ينسجم والواقع الذي يمر فيه البلد، خصوصاً أنه يشهد زيادة في عدد السكان بنحو 3 في المئة سنوياً، ما يتطلب زيادة الخدمات وتخصيصاتها المالية عبر الزمن.

ولفت المحاويلي إلى أن الصندوق السيادي هو عبارة عن توفير لأجل مستقبل البلد، وغالباً ما يكون حكومياً وعلى شكل سندات واستثمارات في عقارات أو شركات أو مصارف، ومن المرجح أن تكون هذه التنويعات الاستثمارية خارج حدود البلد وفي دول رأسمالية متقدمة، بخاصة إذا كان البلد المعني بالصندوق السيادي من البلدان النامية.

وأضاف أن حاجة العراق إلى هذا الصندوق تتجلى يوماً بعد آخر، لا سيما أن اقتصاد البلد ريعي وأحادي التمويل، بسبب الظروف التي شهدها من تراجع أسعار النفط والحرب على «داعش»، وما تطلب ذلك من ديمومة التمويل. وتابع: «إذا علمنا أن عدد سكان العراق ينمو بنسبة تقارب 2,6 في المئة سنوياً، فهذا يعني ضرورة زيادة توفير الخدمات وتخصيصات المبالغ لها بما يتناسب وحجم النمو السكاني عبر الزمن. من هنا، تظهر أهمية هذه الصناديق السيادية التي تعد محافظ استثمارية». وأشار إلى أن هناك عدداً من المعوقات التي تواجه إنشاء هذا الصندوق، على الأقل في الوقت الراهن، وهي متمثلة بتحديد الجهة التي ستتولى إدارة هذا الصندوق واختيار موجوداته من سندات واستثمارات، فضلاً عن ضمان استقلاليته وعدم المس بالأموال التي يتم استثمارها أو في توجيهها إلى بعض الاستثمارات الخارجية في مقابل عمولات.

وشدد المحاويلي أيضاً على أن الصندوق السيادي مهم وضروري للعراق، والأهم من ذلك ضرورة إدارته من أجانب وعرب وبعض الجهات الرسمية العراقية كوزارتي المال والخارجية، وديوان الرقابة المالية، والبنك المركزي. ولكن تبقى الخيارات عند الأطراف الأجنبية والعربية منتقاة، كما يجب ألا تتدخل السياسة في هذه الخيارات لأنها غير ذات خبرة.

وأوضح أن كل الدول ليست في حاجة إلى مثل هذه الصناديق لأن اقتصادات بعضها بما تمتاز به من حيوية واندفاع وابتكار وإنتاج مستمر، تجعلها في غنى عنها، ولكن هذا لا يعني أن تقوم تلك الدول بالإفراط بما تحققه من ثروات حيث إن لها أساليب متنوعة في دعم اقتصاداتها لأجل المستقبل.

وكان الخبير الاقتصادي لؤي قيس عبدالله أكد أن التمويل الذاتي أحد أهم المحاور المهمة لتقليص النفقات الحكومية، في ظل اعتماد مؤسسات خدمية وشركات كثيرة على الموازنة العامة الاتحادية للدولة في تغطية متطلباتها، مع إمكان تفعيل الكثير من خطوط الإنتاج في الشركات العامة لتفعّل وارداتها وتحافظ على دورة رأس المال داخل البلد وما ينتج عن ذلك من جدوى اقتصادية كبيرة.

وقال عبدالله في تصريح أن جملة من الآليات التي يمكنها النهوض بشركات التمويل الذاتي ونقلها من شركات خاسرة إلى رابحة، تحقق منفعة كبيرة للبلد من خلال توفير فرص عمل ورفد الأسواق بالمنتجات النوعية، كما توفر الأموال اللازمة لتطوير مرافقها. ولفت إلى أن أهم الآليات يتمثل باستحداث هيئة عليا أو لجنة عليا في رئاسة الوزراء للإشراف على تطبيق نظام التمويل الذاتي وإعطائها الصلاحيات اللازمة، مع توافر الإرادة الحقيقية الفاعلة والشفافة لتطبيقه في بعض المؤسسات الحكومية.

وأشار إلى أن تبني التمويل الذاتي يتطلب توافر الخبرات المحاسبية القادرة على تطبيق هذا النظام بدقة عالية، وتنظيم دورات وورشات عمل لمجاراة التطور في هذا المجال، وكمرحلة أولى لا بد من زيادة نظام الحوافز للدوائر التي تطبق هذا النظام لتشجيع العاملين فيها وزيادة الربحية.

ولفت عبدالله إلى أهمية أن تقوم الدولة بفرض نظام التمويل الذاتي على المؤسسات التي تملك إيرادات لا بأس بها. ويمكن نجاح التجربة كمرحلة أولى مثلاً (الجامعات وقطاع الكهرباء والصحة) و «كما قلنا على شكل مراحل في أقسام معينة من تلك الوزارات لمعرفة المعوقات وحلها وتعزيز التجربة».

كما يتطلب هذا التوجه اعتماد نظام اقتراض وتسليف من جانب وزارة المال يساعدها في تجاوز المرحلة الأولى لحين الوصول إلى الاكتفاء والاعتماد على إيرادات خدماتها أو منتجاتها.