اميل خوري

من سوء حظ لبنان أن في زمنه الرديء شهد طبقة سياسية من الجنس العاطل، عطلت انتخاب رئيس الجمهورية في موعده الدستوري، وعطّلت عمل الحكومة وشلّت عمل مجلس النواب لتذهب به من حيث تدري أو لا تدري الى ما يسمى "المؤتمر التأسيسي" بحثاً عن نظام جديد للبنان أو عن صيغة جديدة، مع أن في هذه الطبقة من يكرر رفضه عقد مثل هذا المؤتمر وينتظر فصل الخريف لمعرفة أوراق أي حزب ستسقط وأي محور سينتصر في المنطقة... 

فالمطلوب إذاً من القوى السياسية الأساسية في البلاد، ولا سيما القوى المسيحية، أن تفكر منذ الآن فيما سيكون عليه لبنان اذا حان موعد اجراء انتخابات نيابية ربيع 2017 ولا رئيس للبنان ولا حكومة ولا مجلس. 

أفلا يفرض هذا الوضع عقد مؤتمر تأسيسي أو مؤتمر تحت أي مسمى بحكم الأمر الواقع للبحث في نظام جديد للبنان هيهات التوصل اليه من دون حرب أو فتنة؟ فدستور لبنان الاستقلال تم التوصل اليه بعد توترات أمنية وتجاذبات سياسية وضغوط دولية. و"اتفاق الطائف" تم التوصل اليه بعد حروب سقط فيها أكثر من 200 ألف قتيل. 

فعلى هذه القوى اذاً أن تفكر منذ الآن فيما ستؤول اليه البلاد إذا حل موعد الانتخابات النيابية ربيع 2017 ولا رئيس للبنان فتنفجر الخلافات بين من يريد اجراء الانتخابات النيابية قبل الرئاسية أو الرئاسية قبل النيابية، خصوصاً اذا انتهت ولاية المجلس ولم ينتخب رئيساً، ولا صادق على قانون جديد للانتخاب كي تجرى الانتخابات على أساسه، فيصبح اجراؤها على أساس قانون الستين مفروضاً وإن مرفوضاً، أو التمديد مرة أخرى للمجلس، أو الفراغ الشامل. وقد يكون هذا ما يسعى إليه من يريدون عقد مؤتمر تأسيسي يفرضه الأمر الواقع.

إن ثمة قوى سياسية وحزبية في البلاد تخطط لاجراء انتخابات نيابية قبل الرئاسية وإن وفقاً لقانون الستين إذا تعذّر الاتفاق على قانون آخر، لأن هذه القوى ستخيّر رافضي هذا القانون بين اجراء انتخابات نيابية على أساسه أو الفراغ الشامل الذي يكون قد تسبب به عدم انتخاب رئيس جمهورية ولا حكومة تعمل ولا مجلس أيضاً. وقد يكون بين القوى السياسية من يوافق على اجراء انتخابات نيابية قبل الرئاسية لأن اجراءها يظل أقل ضرراً من الفراغ الشامل، خصوصاً أنها لا تعترف بشرعية مجلس ممدد له وتطالب بمجلس شرعي ينتخب رئيساً شرعياً.

لذلك بات إقرار قانون جديد للانتخابات النيابية سواء بعد انتخاب رئيس للجمهورية أو قبل انتخابه متلازمين، على ألاّ يُعمل به إلا بعد أن يحمل توقيع رئيس الدولة، فهل يركز مجلس النواب خلال دورته العادية في تشرين على إقرار قانون جديد للانتخاب، لأن من دون الاتفاق عليه سيواجه لبنان والقوى السياسية خلافات حادة إذا حلّ موعد الانتخابات النيابية ولا قانون سوى الستين أو التمديد للمجلس أو الفراغ. عدا أن رئيس الجمهورية اذا انتخب سيواجه مشكلة الاتفاق على القانون وهو في مستهل عهده.

لقد بات مطلوباً من القوى السياسية الأساسية في البلاد إما أن تتفق على قانون جديد للانتخاب، أو يصير من واجب مجلس النواب حسم الخلاف على مشاريع القوانين الكثيرة المطروحة بالتصويت، وليكن هذا التصويت بالثلثين وليس بالأكثرية المطلقة حرصاً على الميثاقية، وليكن انتخاب الرئيس وإقرار القانون في يوم واحد ما دام أحدهما بات متلازماً مع الآخر.

يقول الرئيس حسين الحسيني في هذا الصدد: "إن قانون الانتخاب هو المفتاح، وكل كلام آخر تمديد لعمر الأزمة وتالياً تهديد لبنان بأزمة كيانية نحن في غنى عنها. فالمسألة في لبنان هي مسألة بناء متوازن، وأي خلل فيه يؤدي الى سقوطه. فعندما نقول إن النظام اللبناني جمهوري ديموقراطي برلماني، فهذا يعني أن الشعب هو مصدر السلطات، ومن دون الاحتكام اليه لا يمكن أحداً أن ينصف أحداً. ومفتاح حل الأزمة هو القانون النسبي والصوت التفضيلي الذي يمنع الاستيلاء على المقاعد من دون حق. فقانون الانتخاب يعطي لبنان مؤسسة شرعية، وهذا ما جعلني اقترح انتخاب رئيس إنقاذي لمدة سنة على الأكثر، لديه مهمة واحدة هي إقرار قانون انتخاب على أساس النظام النسبي والصوت التفضيلي. وبمجرد إعلان النتائج تنتهي مدة ولاية رئيس الجمهورية ويصبح للبنان مجلس نيابي شرعي ينتخب رئيساً شرعياً، ويخرج لبنان من شكوى أن البوسطات والمحادل الاسلامية هي التي تقبض على التمثيل المسيحي، فليس من مصلحة أحد إشعار أي طائفة بأنها خارج التكوين السياسي والاجتماعي للبنان".

هل تكون دورة تشرين العادية للمجلس دورة خير على لبنان فتنقله من فصل الخريف الى فصل الربيع بانتخاب رئيس وإقرار قانون جديد للانتخاب في يوم واحد؟

[email protected]