&محمد بن يحيى الفال

&في مقاله الأخير المؤرخ في 13 ديسمبر 2016م بعنوان «لنخلص العالم من الوهابية» الذي نشر على صفحة الرأي بصحيفة نيويورك تايمز الأمريكية، بدأ وزير الخارجية الإيراني السيد محمد جواد ظريف أكثر ظرفًا من مقالاته السابقة التي نشرتها الصحيفة ذاتها وذلك انطلاقًا من مقولة بأن لكل من اسمه حظ. بيد أن حظ ظريف من اسمه هذه المرة وفي كل مرة لم يتعد سوى الظرف السمج الذي يجعلك تشعر بالرغبة في التقيؤ من قدرة صاحبه على الكذب والافتراء بلا خجل أو بالالتزام بالحد الأدنى من احترام قراء الصحيفة التي نشر فيها ترُهاته وأكاذيبه. ولكن العجب يتبدد كون الصحيفة التي نشرت ضلالته وأساطيره دأبت هي الأخرى وفي الآونة الأخيرة وبشكل ممنهج بأن جعلت من نفسها بوقًا لنظام ملالي طهران تتبادل هي وهو الأدوار في نشر الأكاذيب والأساطير المثيرة للشفقة عن دور للمملكة في دعم الإرهاب. ولعل ما يسترعي الانتباه عند الاطلاع على المقالة وما يؤكد التعاون بين صحيفة نيويورك تايمز ونظام الملالي هما أمران، الأول هو أن المقالة أعدت بطريقة تقرير صحفي مشتمل على روابط ذات علاقة بالنقاط الجوهرية التي حاول ظريف والصحيفة التسويق لها من ربط المملكة بالإرهاب وتم ذكر أمثلة بهذه الروابط لدعم المملكة للتشدد الديني في كوسوفو مما جعل هذه الدولة الأوروبية تتخلي عن تسامحها المعهود وجعلها أكثر دولة أوروبية يخرج منها جهاديون بحساب عددهم مقارنة بعدد السكان الكلي، الأمر الثاني هو تكليف المصمم الجرافيكي الشهير أوليفر ماندي (Oliver Mundy)، صاحب وشريك مؤسس لشركة بيرسر(Pircr) المختصة بتصميمات الجرافيك ومقرها مدينة نيويورك، بتصميم يوحي للقارئ بالعلاقة المزعومة بين الإرهاب والمملكة وذلك بتضمين المقالة صورة لعلم شبيه بعلم المملكة باللون الأخضر ويحمل رسم السيف وبندقية كلاشينكوف يبدو أنها من طراز أيه كيه- 47، (AK-47)، وفات على ظريف والمصمم الشهير ونيويورك تايمز أن هذه الطراز الذي حاولوا إلصاقه بالفكرة التي يروجون لها غير مستعمل في المملكة، بل إن نظام الملالي هو على قائمة الدول التي تناهز الأربعين التي تستعمل هذا السلاح. وبعد أن كذب ظريف وعرابوه في التصميم، كذب وبالغ في سرد الخزعبلات والأساطير التي يحاول تسويقها على الرأي العام الأمريكي وبمساعدة النيويورك تايمز بدءًا بمحاولة المملكة تلميع صورة جبهة النصرة المعارضة للنظام السوري مرورًا بالمظلومية الشيعية التيضاف لها مُحسنات عرقية أخرى لتسويقها وانتهاء بالكذبة الكبرى المتعلقة بجهود نظام الملالي لمكافحة ظاهرة الإرهاب. وطبعًا وكما هو متوقع كان جُل كلام ظريف هو تخويف العالم وخصوصًا الغربي مما أسماه بتهديد الوهابية وهي التي أضحت البعبع ((The Boogeyman) الذي يخوف به أعداء المملكة ومن سار بركبهم من وسائل الإعلام الغربية المعادية للمملكة. مع العلم بأن هذه الوسائل لو كلفت نفسها عناء البحث عن الحقيقة ولو بالقدر النذير من المصداقية لوجدت بأن الوهابية ليست سوى فزاعة تستخدم من قبل أعداء المملكة ووجدت من يسوق لها في وسائل الإعلام وخصوصًا الغربية، وبأنه ليس هناك مذهب وهابي تتبعه المملكة ولو كان الأمر كذلك لوضعته المملكة في دستورها المكتوب الذي ينص في مادته الأولى على أن الإسلام هو دين الدولة وبدون تحديد لمذهب بعينه. كذلك فإن كل الكتب والمناهج المدرسية السعودية التي تم فحصها وتدقيقها من قبل أعداء المملكة في الخارج وسُخرت لها كثير من مراكز البحث العلمية المتخصصة فيما يشبه محاكم التفتيش التي شهدتها إسبانيا بعد سقوط غرناطة آخر معقل للمسلمين فيها (The Inquisition)، لم ولن تجد هذه المراكز أي إشارة من بعيد أو من قريب إلى مصطلح المذهب الوهابي. ولو كلفت وسائل الإعلام الغربية المسوقة لنظام الملالي نفسها بحثًا عن الحقيقة التي تدعيها وقامت بإجراء استفتاء لشريحة عمرية من مختلف الأعمار في المملكة وسألتهم عن المذهب الوهابي لكانت النتيجة صاعقة لهم حيث لن تجد من يعرف هذا المذهب في طول المملكة وعرضها. الوهابية هي في المحصلة النهائية ليست إلا في أذهان من يسرقون أموال الناس بالباطل الذي جاء الشيخ محمد بن عبدالوهاب -رحمه الله- وجزاه كل الجزاء وكمصلح ديني أساءه أن يُستغل الناس باسم الدين من قبيل التبرك بالقبور ودفع أموالهم للقائمين عليها، وغير ذلك من البدع التي تخالف جوهر توحيد الإلوهية والربوبية، هؤلاء فقط ومن يسير في ركبهم هم من تخيفهم ما أسموه بأنفسهم وليس غيرهم بالوهابية، وهم من جاءوا بالمصلح وجعلوا منه بعبعًا ويحاولون تسويقه وبطرق شتي وكلما فشلوا في طريقة اخترعوا وجاءوا بأخرى.

يحاول ظريف في مقدمة مقالته وبطريقة مثيرة للشفقة أن يسوق أكذوبة أن المملكة تقدم الأموال الطائلة لمكاتب العلاقات العامة في أمريكا من أجل تصحيح نظرة الرأي العام والساسة الأمريكيين فيما يخص جبهة النصرة، وكيف للمملكة أن تقوم بذلك وهي المتضرر الأكبر من تنظيم القاعدة التنظيم الأم الذي تتبعه النصرة (وإن كانت مؤخرًا أعلنت انفصالها عنه) أن تسوق له وتدفع لمكاتب علاقات عامة مبالغ طائلة وفي عقر أمريكا للقيام بهذه المهمة.

وفي موضوع آخر من المقالة وفي فقرتين مختلفتين منها يؤكد ظريف بأن الشيعة هم ضحايا الفكر الإرهابي المعتنق للفكر الوهابي وفي لفتة لا ينقصها الخبث يضيف ظريف أعراق أخرى للمظلومية من الإرهاب تشمل اليهود والنصارى واليزيدية. ويتباكى على إعدام طفل في سوريا من قبل الإرهاب السني ونسي وتناسي إرهاب الدولة الذي يمارسه نظامه الذي أعدم مئات الآلاف على الهوية شملت الرجال والأطفال والنساء، وما زال في الذاكرة إعدامه للسنية ريحانة جباري التي كانت جريمتها دفاعها عن شرفها والكردية فريناز خسرواني التي فعلت الشيء نفسه بإلقاء نفسها من بلكونة الفندق الذي تعمل فيه. ولم تتردد المملكة قط من تسمية الإرهاب باسمه بغض النظر عن المذهب الذي يتبعه ورسالتها للعالم ومنذ سنوات عديدة بأن الإرهاب لا مذهب ولا دين له. في المقابل يدعم نظام الملالي قائمة لا تعد ولا تحصي من المنظمات الشيعية الإرهابية آخرها عصابة الحوثي في اليمن التي وصلت به الوقاحة والجراءة إلى تزويدها بصواريخ لضرب مناطق مدنية أهله بالسكان في حدنا الجنوبي، مرورًا بالحشد الشعبي وفيلق بدر وعصائب أهل الحق ولواء أبو الفضل العباس في العراق. ويتفاخر ظريف وبأريحية بأن رئيس نظام الملالي روحاني تقدم في عام 2013 بمبادرة للأمم المتحدة للحوار بين المذاهب والديانات ومختصر أحرفها الأولى باللغة الإنجليزية جاءت بكلمة (WAVE)، التي تعني بالعربية موجة وهي مفارقة عجيبة غربية حيث دأب نظام الملالي على استخدام استراتيجية الموجة في جرائمه التي كان آخرها جريمة التدافع في مشعر منى في حج العام الماضي التي أسفرت عن مقتل مئات الحجاج الأبرياء. وكما هو معروف فقد استخدم نظام الملالي استراتيجية الموجة في كثير من المواقع وتحديدًا ضد العراق حيث استخدمها إبان الحرب العراقية الإيرانية في الثمانينيات من القرن المنصرم بموجات بشرية أغلبها من الأطفال والقاصرين الذين زج بهم في أتون الحرب الضروس، وتم استخدامها في ديسمبر 2015 حيث أجتاح أكثر من نصف مليون إيراني الحدود العراقية الإيرانية في مشهد يدل بأن هذا البلد العربي أصبح اسيرًا للفكر الإرهابي لنظام الملالي الذي لم يرع حتى أواصر الصداقة والتعاون الحميمة التي تجمع بن البلدين. ولتذكير السيد ظريف وعرابوه في النيويورك تايمز ومن غيض فيض جهود المملكة لمكافحة الإرهاب فقد دعت قبل أكثر من أحدى عشرة سنة خلت وتحديدًا عام 2005 لمؤتمر الرياض الدوليمكافحة الإرهاب وخرج عنه إعلان الرياض الذي دعا إلى أهمية التعاون الدولي للقضاء على ظاهرة الإرهاب وبأنه ليس باستطاعة أي دولة بمفردها القضاء عليه مهما حاولت، وهو النداء الذي لو أخذ بمحمل الجد لجنب العالم كثيرًا من الحوادث الإرهابية التي شهدتها عديد من العواصم العالمية مؤخرًا. كذلك رعت المملكة وفي سنة واحدة (2006) ثلاثة مؤتمرات في كل من مكة المكرمة والعاصمة الإسبانية مدريد ومدينة نيويورك للحوار بين المذاهب والأديان وحضر فعاليتها جميعًا الملك عبدالله بن عبدالعزيز -رحمه الله-، الذي أثمرت جهوده الخيرة في هذا المضمار وبالتعاون مع الحكومة النمساوية إلى إطلاق مركز الملك عبدالله العالمي للحوار بين أتباع الأديان والثقافات وذلك في شهر نوفمبر 2012، وقدمت المملكة وبسخاء وخلال السنوات الست الماضية حوالي 150 مليون دولار دعمًا لإنشاء مركز الأمم المتحدة لمكافحة الإرهاب إيمانًا منها بأهمية التعاون الدولي لدرء مخاطر الإرهاب على الإنسانية جمعاء.

يبدو أن السيد ظريف في مقالته المحذرة من مخاطر الوهابية المزعومة على العالم اختار بقصد أو من دون قصد آليات وتكتيكات جوزيف جوبلز (Joseph Goebbels) وزير الدعاية خلال حقبة ألمانيا النازية، والمتمثلة في أنه إذا كذبت فأكذب كذبة كبيرة وأصر عليها. بيد أنه فات على السيد ظريف بأن هذا التكتيك معدوم الجدوى في عصر من أهم مميزاته توفر المعلومة والسرعة الفائقة في نقلها، وجرائم نظام الملالي ضد شعبه وشعوب المنطقة كتاب مفتوح للجميع ولا يمكن تغطيتيها أو حجبها إلا كمن يحاول أن يحجب الشمس بغربال!!!