&وحيد عبد المجيد

مثلما كان احتلال تنظيم «داعش» للموصل في منتصف 2014 نقطة تحول في تاريخ الإرهاب ومسار الحرب عليه، قد يكون تحرير هذه المدينة العريقة منه نقطة تحول أيضاً، ولكن بشأن مستقبل العراق، ولكي يكون هذا التحول باتجاه وضع أفضل، ينبغي التوصل إلى تفاهمات واضحة بين المكونات الأساسية للحالة العراقية الراهنة حول اليوم التالي لهزيمة «داعش».

لا تتفق الأطراف الأساسية المعبرة عن هذه المكونات إلا على مواجهة «داعش»، وتختلف على كل شيء بعد ذلك تقريباً، ومن هنا أهمية التفاهم الجاد على كيفية إدارة الموصل عقب تحريرها، والضمانات اللازمة لحماية أهلها من أي عمليات انتقام قد تمارسها فصائل «الحشد الشعبي» الأكثر تعصباً. ولا يقل أهمية عن ذلك حسم الخلاف بشأن الترتيبات الإدارية في شمال العراق بعد تحرير الموصل.

وتزداد المخاوف من إطلاق معركة تحرير الموصل قبل التفاهم على ذلك بسبب ما يبدو أنه تعجل أميركي لخوض هذه المعركة قبل انتهاء ولاية الرئيس أوباما لكي يُسجل له إنجاز بحجم القضاء على أهم معاقل تنظيم «داعش».

وإذا لم يدرك أوباما أخطار خوض معركة الموصل قبل التوصل إلى تفاهمات واضحة، وتعامل معها بطريقة من لا ينظر إلا إلى ما سيسجله التاريخ له، ربما يرتكب خطأ لا يقل فداحة عن ذلك الذي اقترفه سلفه بوش الابن عندما قرر غزو العراق عام 2003 بدون أن يحسب حساب اليوم التالي لإسقاط صدام حسين. وربما تؤدي معركة الموصل في هذه الحالة إلى نهاية العراق بحدوده المعروفة منذ نحو قرن من الزمن.

فقد تجدد الخلاف على تأسيس إقليم سُني، الأمر الذي يتطلب تفاهماً سواء لاستبعاد هذا الخيار أو لإيجاد صيغة له تضمن المحافظة على وحدة العراق، وكذلك الحال بالنسبة لمطالبة رئيس حكومة كردستان مسعود بارزاني بترتيب جديد يتيح استحداث ثلاث محافظات للأقليات في قضاء سنجار وتلعفر وسهل نينوي، وتشكيل إدارة محلية فيها تراعي التنوع السكاني، ومنحها حرية اختيار البقاء ضمن الحدود الإدارية الراهنة أو الانضمام إلى إقليم كردستان.

وليست هذه مشكلة سياسية فقط، بل عسكرية أيضاً، لأن قوات البيشمركة التابعة لحكومة كردستان سيكون لها دور مهم في معركة الموصل بعد أن أطبقت على المناطق الشمالية الشرقية والجنوبية الغربية للمدينة، وقد أظهرت معركة تحرير منطقة القيارة قرب الموصل أهمية دور البيشمركة في تقديم الدعم اللوجستي وتأمين الممرات، وسيكون هذا الدور أكثر في معركة الموصل الأكثر صعوبة، خاصة أن مواقع قوات البيشمركة أقرب وتمركزها أفضل من الجيش العراقي، فقد كانت هذه القوات في بداية سبتمبر الجاري على مسافة تتراوح بين 12 و25 كم من أطراف الموصل، في الوقت الذي كانت وحدات الجيش العراقي الأكثر قرباً منها على مسافة حوالي 50 كم، كما أن «البيشمركة» لا تثير في نفوس أهالي الموصل الخوف الذي تبثه فيهم فصائل «الحشد الشعبي».

ومن المشكوك فيه أن تحقق معركة الموصل نجاحاً حاسماً بدون قيام البيشمركة بدور محوري فيها. ويصعب تصور هذا الدور بدون اتفاق سياسي واضح، ويتطلب هذا الاتفاق ثقة متبادلة ليس هناك ما يدل على توفر قدر كافٍ منها حتى الآن.

وإذا كانت حكومة إقليم كردستان تشك في نوايا حكومة بغداد المحكومة بالخط السياسي الإيراني، فثمة شكوك أيضاً لدى رئيس الوزراء حيدر العبادي وأعوانه في أهداف بارزاني من وراء فكرة محافظات الأقليات.

وإذا كان فشل معركة الموصل في تحقيق نتيجة حاسمة، حال عدم مشاركة البيشمركة فيها، يُمكِّن تنظيم «داعش» من شن هجمات مضادة، فنجاحها بدون تفاهمات حول ما بعدها يخلق توتراً خطيراً قد يفتح الباب أمام مواجهة بين الحكومة المركزية وحكومة إقليم كردستان، ويحول دون تحقيق الاستقرار المأمول في شمال العراق، الأمر الذي قد يخلط الأوراق في المنطقة.

فليس مستبعداً في هذه الحالة أن تتنامى العلاقة بين حكومة بغداد وحزب العمال الكردستاني التركي وحليفه السوري (حزب الاتحاد الديموقراطي) المناوئين لحكومة إقليم كردستان، ويعني ذلك إذا حدث وضع حكومة بغداد في مواجهة مع تركيا التي تخوض معركة ضد العمال الكردستاني، وتحتفظ بعلاقة وثيقة مع حكومة أربيل.

لذلك ينبغي الانتباه إلى ضرورة التفاهم على ترتيب الأوراق قبل إطلاق معركة تحرير الموصل حتى لا تكون نتيجتها نهاية العراق الموحد، وهي التي تهدف إلى وضع نهاية لوجود «داعش» فيه.