&وليد أبي مرشد&

هل كُتب على مدينة حلب أن تختصر كل أبعاد النزاع السوري، الإقليمية منها والدولية، بعد أن تحول هذا النزاع إلى مجموعة حروب مستولدة من رحم انتفاضة شعبية تضافر النظام والمعارضة (أو بعضها على الأقل) على إزاحتها عن هدفها؟

ما تشهده «جبهة» حلب اليوم أقرب إلى حرب مذهبية تتقاطع مع نزاع إثني عربي - كردي، وتتداخل مع سباق إقليمي للهيمنة على الشرق الأوسط.. وأخيرًا لا آخرًا مواجهة بالوكالة بين رئيس دولة عظمى متردد ومتلكئ (باراك أوباما) ورئيس دولة أخرى جموح وطموح (فلاديمير بوتين).

منذ انطلقت الانتفاضة الشعبية في سوريا قبل أكثر من خمس سنوات وسياسة أوباما السورية سياسة تفويت الفرص بامتياز. ومن نافل القول التذكير بأن الإجراءات التي كان تطبيقها ممكنًا في بدايات الثورة السورية (مثل فرض منطقة حظر جوي في شمال البلاد أو ملجأ آمن للمدنيين) لم يعد تحقيقها متيسرًا، دون التسبب بمواجهة مع روسيا - آخر ما يسعى إليه الرئيس الأميركي.

من سوء حظ الانتفاضة السورية ألا يتبدل المشهد الدولي منذ خمس سنوات: رئيس أميركي غارق في دوامة التردد، ينتظر اليوم بفارغ الصبر إلقاء تبعات النزاع السوري على عاتق خلفه، ورئيس روسي أتقن استغلال تردد نظيره الأميركي ليسجل إنجازات لم يكن يتوقعها في مسيرة تحويل روسيا إلى شريك أساسي في القرار الدولي.

معركة حلب تكرس موقع روسيا الجديد «كبيضة قبان» موازين القوى في المنطقة. وبقدر ما تنجح روسيا في تثبيت وجودها في هذا الموقع قبل انتهاء ولاية الرئيس أوباما (ما قد يفسر ضراوة تدخلها العسكري في حلب) تكون قد نجحت في إرساء القواعد الأولية للأمر الواقع الجديد في المنطقة، ويكون أصعب على الرئيس الأميركي الجديد تغييره.

ولكن هذا السعي الروسي لا يخلو من تبعات عسكرية وسياسية قد لا تكون لصالح موسكو على المدى البعيد، وربما المتوسط أيضًا.

عسكريًا، يتفق معظم المراقبين على أن عدد الجيش النظامي السوري لم يعد كافيًا لاحتلال منطقة حلب والاحتفاظ بها تحت سيطرة النظام (مما قد يفسر استراتيجية ترويع أهلها لتهجيرهم). وهذا الواقع يستوجب المزيد من الاعتماد على تدخل روسي ميداني مباشر في معركة حلب يبدو أن موسكو تحاول تحميل قسط وافر من تبعاته للميليشيات الشيعية التابعة لإيران.

أما سياسيًا، فلن يكون مستبعدًا أن يؤدي توثيق التعاون العسكري الروسي مع إيران إلى المزيد من الانحياز الروسي للمحور الشيعي في المنطقة، مع ما سيترتب عليه من تحولات. إن لم يكن انقلابات جذرية، في موازين القوى الشرق أوسطية.

ولكن السؤال يبقى: هل سيؤدي دمار حلب وسقوطها في أيدي التحالف الروسي - الإيراني إلى انتهاء الحرب الأهلية في سوريا أم إلى تحولها إلى الأسوأ؟

تتوقف الإجابة عن هذا السؤال، إلى حد كبير، على من ستحمله الانتخابات الرئاسية الأميركية إلى البيت الأبيض، وموقفه من معطيين رئيسيين:

- حدود توسع النفوذ الروسي في الشرق الأوسط، وبالتالي نظرته إلى روسيا كشريك أو منافس للولايات المتحدة في المنطقة.

- سعي إيران الحثيث للتحول إلى دولة نووية تهيمن على المنطقة، وما سيستتبعه الطموح الإيراني من ردود فعل إسرائيلية - أميركية.

رغم أن النظام السوري والرئيس بوتين نجحا في إدراج النزاع السوري في خانة المواجهة بين العلمانيين والتكفيريين (لا أكثر ولا أقل)، فإن انهيار «الدولة» السورية إن لم يؤدِ إلى شرذمتها بالكامل، يبرز الحاجة إلى تعويمها بتمويل غربي - عربي. وهذه الحاجة ستجعل من الصعب تجاهل دور صندوق النقد الدولي والدول العربية القادرة في أي تسوية تلتزم بإعادة بناء سوريا.. واستطرادًا تجعل من الصعب أيضًا تجاهل رغبة الأكثرية العددية في سوريا بلعب دور أكبر في حياة سوريا السياسية.

&&