&صلاح الجودر&

لم يكن مستغربًا تأييد محكمة الاستئناف العليا المدنية الثانية لحكم سابق يدعو إلى إغلاق وحل جمعية الوفاق، وعدم قبول الطعنين بالاستئناف لثبوت الجرم على الجمعية، فقد جاءا من غير ذي الصفة والأهلية للأمين العام للجمعية والمحكوم بحكم جنائي نافذ، وانتهاء رئاسته للجمعية قانونيًا.

فقضية إغلاق مقار جمعية الوفاق، والتحفظ على جميع حساباتها وأموالها، وتعليق أنشطتها قد جاءت بعد الشكوى التي رفعها وزير العدل والشؤون الإسلامية والأوقاف في الرابع عشر من شهر يونية الماضية (2016م)، وانحصرت الشكوى في ممارسات الجمعية التي استهدفت مبدأ احترام حكم القانون وأسس المواطنة المبنية على التعايش والتسامح واحترام الآخر، وتوفير بيئة حاضنة للإرهاب والتطرف والعنف، فضلاً عن استدعاء التدخلات الخارجية (إيران وحزب الدعوة العراقي وحزب الله اللبناني) في الشأن الداخلي، فصدر حكم المحكمة في الشق المستعجل بإغلاق جميع مقار جمعية الوفاق والتحفظ على جميع حساباتها وأموالها.

ثم جاء الحكم الصادر من محكمة الاستئناف العليا المدنية الثانية في الشق الموضوعي والذي صدر بتأييد الحكم السابق بإغلاق الجمعية وحلها وتصفية جميع أموالها، كل ذلك بعد أن طعنت الجمعية في الحكم الصادر بتوكيل غير قانوني صادر من الأمين العام للجمعية، يبقى تساؤل كبير يتداول هذه الأيام في الكثير من المجالس والمنتديات عن ماذا بعد إغلاق الوفاق ومصادرة أموالها؟!.

قبل الإجابة على هذا التساؤل يجب النظر في علاقة جمعية الوفاق مع بقية مكونات المجتمع البحريني! هل الجميع يتمنى استمرار الوفاق في مشروعها أم يتمنون زوالها وإغلاقها؟! يجب أن يعرف الجميع أن علاقة جمعية الوفاق بمكونات المجتمع البحريني لم تعد كسابق عهدها، فجمعية الوفاق لم تبقَ لها صديق ولا حبيب في الساحة، خاصة بعد أن أصيبت بداء الأنا والاستعلاء والفوقية، والحديث باسم الشعب الذي لم يوكلها بالحديث عنه، فكان سخط الشارع كبيرًا عليها بعد انحرافها عن الخط الوطني في الدفاع عن القضايا، وحديثها فقط عن المظلومية الدينية والمطالب الطائفة! فقد شجعت الشباب والناشئة على إغلاق الشوارع والطرقات، وحرق الأخشاب والإطارات، وتعكير صفو المناسبات الدينية والوطنية، وتنقلت في الفضائيات والمنظمات الدولية للإساءة للمجتمع البحريني والمشروع الإصلاحي وكأنها الصوت الآخر للعدو الإيراني، وقد صمت آذانها عن نصائح العقلاء والحكماء حتى بلغت حافة الهاوية، ولات حين مناص!.

ولم تكتفِ جمعية الوفاق بذلك بل إنها سعت لمعاداة المكون السني الرئيسي في المجتمع، فلم تعترف بتجمع للوحدة الوطنية الذي يقوده فضيلة الشيخ عبداللطيف المحمود ولا بجمعية الأصالة أو المنبر الإسلامي، فرفضت الجلوس معهم، بل إنها هددتهم بالاستعانة بالحرس الثوري الإيراني إن هم تمسكوا بعروبتهم وانتمائهم الخليجي الأمر الذي قطع (شعرة معاوية) معهم، وأصبح الطلاق بائنًا بينهم!.

وحتى على مستوى العلاقة مع الجمعيات التقدمية والديمقراطية (وعد والمنبر التقدمي) مع ما فيه من تناقض غريب إلا أن ذلك جعل جمعية الوفاق تراهم تباعًا لها، يسيرون حيث سارت، ويقفون حيث تأمرهم بالوقوف، طبعًا هذه الحقيقة ترفضها قيادة تلك الجمعيات وتحاول التبرؤ منها، ولكن الأحداث جميعها أثبتت التبعية المطلقة لمشروع ولاية الفقيه! ومع ذلك نجد جمعية الوفاق إذا جد الجد تبرأت منهم، ولعل الانتخابات النيابية (2006 - 2010م)، كانت أكبر دليل على ذلك، فقد أقصت جمعية الوفاق الأمين العام الأول عن منطقة قلالي ثم الثاني عن منطقة المحرق القديمة لجمعية وعد، وأسقطت الأمين العام للمنبر التقدمي في مدينة حمد، وغيرها كثير.

الآن وبعد أن أغلقت جمعية الوفاق بصدور الحكم القضائي، وانقلب السحر على الساحر، فإن السيناريو المتوقع أن يذوب أعضاء جمعية الوفاق في بعض الجمعيات الرديفة، وأن تسعى القوى الديمقراطية (وعد والمنبر التقدمي) إلى التشكل من جديد بعد أن ذهب تأثير جمعية الوفاق عليهم، ونتمنى أن لا تكون تلك الجمعيات مثل الذي يقتل القتيل ثم يمشي في جنازته، فقد تحقق الذي كانوا يتمنونه من أفول نجم جمعية الوفاق، لا بأيدهم ولكن بحكم المحكمة!!.