أحمد الغز

بعد تصويت مجلس الأمن على القرار 2334 يأتي مؤتمر باريس قبل 5 أيام من تولي ترمب مهامه الرئاسية، وبذلك يكون العالم مجتمعا في مجلس الأمن وفي مؤتمر باريس قد أعاد الاعتبار للقضية الفلسطينية وحل الدولتين

ينعقد في العاصمة الفرنسية باريس في الـ15 من يناير الحالي المؤتمر الدولي للسلام في الشرق الأوسط بنسخته الثانية بعد الاجتماع الذي عقد في باريس في يونيو من العام الماضي، لتحريك عملية السلام بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية على أساس حلّ الدولتين. وقد أعلن وزير الخارجية الأميركي كيري عن حضوره هذا المؤتمر الذي يأتي بعد تصويت مجلس الأمن على القرار 2334، والذي يؤيّد حلّ الدولتين بإجماع كل الدول الأعضاء في مجلس الأمن بالتصويت بنعم، وامتناع الولايات المتحدة عن التصويت وعدم استخدام حق النقض. 
يأتي مؤتمر باريس قبل 5 أيّام من تولّي الرئيس الأميركي ترمب لمهامه الرئاسية، وبذلك يكون العالم مجتمعاً في مجلس الأمن وفي مؤتمر باريس قد أعاد الاعتبار للقضية الفلسطينية وحل الدولتين ووضعها في مقدّمة السياسة الدولية. وبذلك تكون القضية الفلسطينية قد تقدّمت مجدّداً الاهتمام الدولي رغم هول ما يحصل في سورية والعراق، ورغم كل التكهّنات والافتراضات حول سياسة الرئيس الأميركي الجديد الذي لا أحد يعرف حتى الآن كيف سيحوّل وعوده الانتخابية إلى سياسات قابلة للحياة. 
الارتباك يبدو واضحاً لدى مراكز الأبحاث ووسائل الإعلام حول تحديد سياسات إدارة ترمب. والمتابع للإعلام الأميركي يكتشف ذلك بسهولة، فليس هناك أي مقال يذهب إلى حدّ الحسم أنّ الخيارات الأميركية ستكون حتماً في هذا الاتجاه أو ذاك، بل العكس، يراهن الجميع على استمرار الارتباك وسياسة الاتجاهين التي سادت خلال إدارة أوباما، لأنّ الخيارات الواضحة تحتاج إلى أثمان واضحة أيضاً، ولا يبدو أن الواقع الأميركي قادر على دفع تكلفتها. وعلى الأغلب أن تستمرّ السياسة عينها مع تغيّر الأولويات التي فرضتها النزاعات وما نتج عنها. 
الحديث عن حلّ الدولتين مسألة تكاد تكون ضربا من الخيال أو الأوهام، ويستطيع الجميع أن يهزأ من هذا الحديث لأنّ التجارب مع إسرائيل تقول ألا أحد يستطيع أن يفرض عليها الخيارات. وأنا أعترف أن الكتابة عن حلّ الدولتين هو كمن يتحدّث عن "الغول والعنقاء"، وأنّه قد يكون ضربا من الجنون أو التوهّم، لأن التجارب في مكان ما لا تشجّع على هذا الافتراض، إنّما في مكان آخر يستطيع المتابعون أن يراجعوا كل تجارب السلام السابقة، من "كامب ديفيد" إلى "أوسلو" إلى "وادي عربة"، وهي اتفاقات السلام بين العرب وإسرائيل. فجميعها لم تعط أعراضا تشير إلى إمكانية حدوث مثل هذه الاتفاقات، بل على العكس كنّا نتحدّث عن تلك المواضيع كما نتحدّث الآن عن حلّ الدولتين تماماً دون زيادة أو نقصان. 
بعد مجلس الأمن وقراره في 23 ديسمبر الماضي حول الاستيطان وحل الدولتين، وبعد باريس في 15 يناير القادم، وبعد تولي الأمين العام الجديد للأمم المتحدة أونطونيو غوتيريس، كلّ ذلك يسبق 20 يناير موعد تولي الرئيس الأميركي الجديد. كما يأتي ذلك مع التطورات التي تحدث في المنطقة وتأثيرها على العالم أجمع وبدون استثناء، وبعد كلام كيري عن أن دعم أميركا لإسرائيل هو لكي تعيش بأمان وليس من أجل زعزعة الاستقرار. كل هذه الأمور تقول إنّ هناك شيء ما أو قرار ما قد أصبح ناضجاً حول الصراع التاريخي في المنطقة قبل أن يصبح سبباً في حرب عالمية مدمرة، بعدما أصبحت كل جيوش العالم تقريباً متواجدة على مساحة الشرق الأوسط، ولم تعد إسرائيل الدولة الأقوى ولا إيران أيضاً ولا تركيا، بل أصبحوا جميعاً دولاً إقليمية محدودة القوة والتأثير. 
عندما يدخل الرئيس الأميركي إلى مكتبه البيضاوي في البيت الأبيض سيجد أنّ حلّ الدولتين هو الملف الأوّل. فإمّا أن يتابعه من خلال المؤتمر الدولي، على نمط الرئيس الجمهوري بوش الأب ودعوته إلى مؤتمر مدريد وآلياته الثنائية والمتعددة من أجل بناء شرق أوسط جديد كان قد فرضه على إسرائيل بعد عاصفة الصحراء وتحرير الكويت، وكان ثمنه على بوش الأب خسارته الانتخابات، أو أن يلجأ إلى الحلّ الثنائي كما فعل الرئيس كلينتون فأعطته إسرائيل "اتفاق أوسلو" في الأشهر الأولى من ولايته. وهنا نشير إلى أنّ "كامب ديفيد" قد حصل مع الرئيس كارتر من الحزب الديموقراطي، واتفاقي "أوسلو" و"وادي عربة" مع الرئيس كلينتون أيضاً من الحزب الديمقراطي، أي أن إسرائيل لم تعط الحزب الجمهوري الأميركي أي إنجاز سياسي، ممّا قد يجعل من الرئيس ترمب هو الجمهوري الوحيد الذي يحقّق اتفاقاً بين إسرائيل والعرب، وينهي الصراع في المنطقة، إمّا بالمؤتمر الدولي أو بالعودة إلى الحلّ الثنائي.