لحسن مقنع

وجه عبد الإله ابن كيران، رئيس الحكومة المغربية المكلف، كثيرا من الرسائل السياسية خلال إشرافه أمس على حفل افتتاح مركز الوثائق التاريخية للمقاومة وأعضاء جيش التحرير في الرباط بمناسبة ذكرى تقديم وثيقة المطالبة باستقلال البلاد في 11 يناير (كانون الثاني) 1944، الذي حضرته كثير من الشخصيات والرموز السياسية المغربية. 


وجلس ابن كيران، خلال الحفل جنبا إلى جنب مع عبد الرحمن اليوسفي، الأمين العام الأسبق لحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية. كما خص ابن كيران اليوسفي بالذكر في الكلمة الافتتاحية التي ألقاها بالمناسبة، قائلا: «سعيد أن أكون مع عبد الرحمن اليوسفي وزعماء الحركة الوطنية»، مضيفا: «نحاول المضي في طريقهم، وهذا ليس سهلا، ولكن لا بد للإرادات الحسنة أن تنتصر».

ودعا ابن كيران في كلمته إلى ضرورة الحرص على «التقاء الإرادات الحسنة وتعاون المكونات التاريخية الأساسية في البلاد»، مشيرا إلى أن سر النجاح في المغرب في كل المحطات التاريخية يكمن في التقاء إرادة ملوكه وشعبه ونخبه. وقال إنه بحث في كل المراحل التاريخية الأساسية للمغرب، وخلص إلى استنتاج أنه «كلما التقت إرادة ملوكنا ونخبنا وشعوبنا فإننا نحقق المعجزات، وهذا أحد أكبر أسرار انتصار المغرب في معركة التحرير».

وأضاف ابن كيران أن المغرب كان دائما متميزا بنخبه، التي وصفها بأنها تتوفر على ثقافة وأصالة وكرامة، وأنها نخب «محترمة ولا تقبل أي شيء وتقف في الوقت المناسب في الاتجاه المناسب تحت قيادة ملوكنا الذين لم يفرضهم علينا أحد»، على حد قوله. في غضون ذلك، دخلت أزمة المشاورات الجارية لتشكيل الحكومة المغربية فصلا جديدا مع تصديق المجلس الوزاري برئاسة العاهل المغربي الملك محمد السادس أول من أمس في مراكش على القانون الأساسي للاتحاد الأفريقي، ودعوته إلى تسريع إجراءات استكمال المصادقة عليه في مجلسي البرلمان، خصوصا أن هذه المصادقة مرتبطة بأجل انعقاد قمة الاتحاد الأفريقي نهاية الشهر الجاري.

وفتح الاستحقاق الجديد نقاشا سياسيا ودستوريا حول إشكالية هيكلة مجلس النواب في الوقت الذي تجتاز فيه مشاورات تشكيل الحكومة مأزقا بسبب توقف المشاورات بين أهم الأحزاب المعنية بها. وأطلق عدد من قياديي حزب العدالة والتنمية الإسلامي أمس، تصريحات تؤكد استحالة هيكلة مجلس النواب قبل انبثاق الغالبية الحكومية. وكتب القيادي محمد يتيم، في مقال له، أن «المنطق الدستوري يجعل الأغلبية الحكومية منبثقة انبثاقا ذاتيا من الأغلبية البرلمانية، وأنه لا مجال لانبثاق أغلبية حكومية إلا عبر تشكيل رئيس الحكومة المعين لتلك الأغلبية، ثم تشكيل الحكومة وعرضها على الملك لتعيينها ثم تقديم برنامجها الحكومي ليتم تنصيبها برلمانيا». وأضاف أنه «في حالة تعذر تشكيل رئيس الحكومة لتلك الأغلبية، فليس هناك من مخرج سوى حل مجلس النواب والدعوة لانتخابات سابقة لأوانها». وتحدث يتيم عن وجود مناورات من طرف بعض الأحزاب لاستغلال استحقاقات المصادقة على قانون الاتحاد الأفريقي، للتعجيل بهيكلة مجلس النواب. وعبر أعضاء آخرون في الأمانة العامة لحزب العدالة والتنمية، منهم عبد العالي حامي الدين وأمنة ماء العينين عن الموقف نفسه.

وفي اتصال هاتفي لـ«الشرق الأوسط»، نفى عبد اللطيف وهبي، منسق الفريق البرلماني لحزب الأصالة والمعاصرة، وجود أي اتصالات أو ضغوط لهيكلة مجلس النواب، واصفا تصريحات قيادات حزب العدالة والتنمية بأنها مجرد «بالونات اختبار». وفي رده على تلويح قيادات «العدالة والتنمية» بحل البرلمان، قال وهبي: «حل البرلمان في يد الملك، وليس في يد حكومة تصريف الأعمال».

وفي تصريح لـ«الشرق الأوسط»، قال أحمد البوز، الباحث في القانون الدستوري: «من الناحية الدستورية ليس هناك ما يمنع انتخاب رئيس ومكتب مجلس النواب. لكن الدستور ينص على ضرورة ضمان تمثيلية المعارضة داخل هياكله خصوصا لجنة التشريع والعدل. وهذه اللجنة يمكن تأجيلها». غير أن هيكلة مجلس النواب قبل تشكيل الحكومة تطرح إشكالية سياسية، حسب البوز، وهي إمكانية انتخاب رئيس المجلس من حزب قد لا يكون عضوا في الائتلاف الحكومي المرتقب، وبالتالي تؤول قيادة مجلس النواب إلى المعارضة.

وأوضح البوز أن إجراءات المصادقة على القانون الأساسي للاتحاد الأفريقي يقتضي إعداد قانون يقضي بهذه المصادقة من طرف الحكومة قبل طرحه على البرلمان. وفي الوضع الحالي لا توجد حكومة فعلية، لأن الحكومة الحالية هي مجرد حكومة تصريف الأعمال، ولا تتوفر على الصلاحيات التشريعية التي تخولها إعداد وتقديم مثل هذا القانون للبرلمان. وتوقفت مشاورات تشكيل الحكومة المغربية الأسبوع الماضي، عندما أطلق ابن كيران عبارته المشهورة «انتهى الكلام» في وجه عزيز أخنوش، رئيس «التجمع الوطني للأحرار»، ومحند العنصر، أمين عام «الحركة الشعبية»، بسبب دخولهما في تكتل رباعي مع حزبين آخرين هما الاتحاد الدستوري والاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية.

وفي لقاء مع إذاعة «راديو أصوات»، بمناسبة تسليمها درع رجل السنة لابن كيران، صرح هذا الأخير بأن الباب ما زال مفتوحا لمواصلة المشاورات مع أخنوش، شريطة خروجه من التكتل الرباعي. وقال ابن كيران: «أوقفت المشاورات لأسباب، وإذا زالت ليس لدي مانع، وإذا لم تزل انتهى الكلام».