حسام عيتاني

جاء المؤتمر الصحافي للرئيس المنتخب دونالد ترامب وقبله الكلمة التي ألقتها الممثلة ميريل ستريب في حفل توزيع جوائز «غولدن غلوب» من صميم الحملة الانتخابية الماضية وحملا ميزاتها ذاتها.

مضى ترامب في قطع وعود غير قابلة للتنفيذ عن إيجاد فرص عمل على نطاق غير مسبوق و «تزعم حركة عالمية فريدة من نوعها» للتغيير، من جهة، وتهيئة ملفات قد تنفجر في وجهه عند اقترابه من التلاعب بها مثل قانون الرعاية الصحية (درة إنجازات باراك أوباما الداخلية) وإصراره على عدم التخلي عن إدارته لمؤسساته رغم إسناد الإشراف اليومي عليها لابنيه، ما يفتح باباً واسعاً أمام التشكيك في فصله مصالحه الشخصية عن المصلحة العامة، من جهة ثانية.

أما التقارير عن امتلاك روسيا معلومات تعرضه للابتزاز بسبب سلوك فاضح تقول التقارير أنه انغمس فيه، فتناوله على طريقته التي اعتمدها أيضاً أثناء الانتخابات، التنديد الصارخ بأساليب «ألمانيا النازية»، من دون نفي أو تأكيد وجود هذه المعلومات مع ما يهدد أي محاولة لبناء موقف معارض لموسكو في أي من ملفات العلاقات الخارجية الشائكة.

الملف الأخير، بعد سلسلة من الاحتكاكات مع أجهزة الاستخبارات الأميركية بخصوص اختراق قراصنة روس حواسيب اللجنة الانتخابية الديموقراطية وتلاعبهم بالمعلومات لمصلحة ترامب، يشير الى أن حالة الضيق التي تشعر بها «المؤسسة» الأميركية آخذة في التصاعد وأن أعوام ترامب في البيت الأبيض لن تكون سهلة، إذا استطاع إكمالها من دون مفاجآت وفضائح.

لكن، في المحصلة، هذا هو ترامب الذي انتخبه الأميركيون وفق القانون الساري وبغض النظر عن أن الأكثرية العددية صوتت ضده: المتعجرف والجاهل والمستعد للكذب حتى في أبسط الأمور. مشكلة «المؤسسة» ليست مع كذبه، بل مع النوعية الرديئة من الكذب ومن توليد كل كذبة جديدة لمجموعة من المشكلات التي سيضطر البيروقراطيون والسياسيون الى تبريرها والتعامل مع تبعاتها.

ووجهت ميريل ستريب صفعة قاسية لترامب. أعادت التذكير بسخريته المشينة من إعاقة صحافي في «واشنطن بوست» أثناء الحملة الانتخابية. صدر كلامها من قمة مقولات «الصواب السياسي» الذي حرصت النخبة السياسية والثقافية عليه منذ نحو ثلاثة عقود واعتقدت النخبة هذه أن «صوابها» قد بات قيمة كونية مثل الديموقراطية والحرية والتنوع.

بيد أن ستريب لم تفعل غير تكرار الموقف النخبوي ذاته الذي أفضى الى خسارة مرشحتها المفضلة هيلاري كلينتون الانتخابات في تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي: نعم هي كارثة على الولايات المتحدة وصورتها في العالم أن يترأسها شخص يسخر من إعاقات الآخرين الجسدية، لكنها كارثة لا تقل خطراً عن أن يترأسها من لا برنامج له إلا تكرار سياسات أثبتت فشلها مرة بعد مرة ومن دون أي مقاربة لحل أزمات المناطق الفقيرة والمهمشة واللاجئين وفقدان فرص العمل وتجذر الانقسام العرقي والكراهية العنصرية ومعاداة الآخر، ولو على طريق بيع الأوهام التي أفلح ترامب بها.

ما الذي قالته ميريل ستريب بالضبط؟ قالت أن الرئيس المقبل سيئ وخطر. لم تمر ساعات حتى ظهر ترامب على شاشات التلفزة ليُؤكد لمن لم يُصغ الى ستريب أنه سيئ وخطر. لكن بين الكلمتين توجد أميركتان: واحدة تسير وتجر معها العالم الى هاوية سحيقة، وأخرى سعيدة بأنها تقول الصواب ثم تذهب الى بيتها مطمئنة لتنام.