عبدالله بن بخيت

توفي الزعيم الإيراني هاشمي رفسنجاني. بكاه البعض إصلاحياً لم تتحقق أهدافه. لا شك أن رفسنجاني كان إصلاحيا، وروحاني اليوم إصلاحي، ونجاد في المقابل كان متطرفا، ولكن بأي المعايير. ما الذي تعنيه كلمة وسطي التي تم تدويرها في الإعلام السعودي مؤخرا. وسط بين ماذا وماذا؟ ما الذي نعنيه بإطلاقنا صفة إصلاحي على زعيم إيراني. كلمة وسطي أو كلمة إصلاحي كلمتان نسبيتان.. تنسبان للبيئة التي تتحركان فيها وليستا مطلقتي الدلالة.

لكل مجتمع ولكل مجموعة بشرية معاييرها.. عندما نقوم بزيارة لسجن محكومين بجرائم قتل وسرقة واغتصاب (مع كامل احترامي للشعب الإيراني)، ثم نطلب من المأمور مقابلة أفضل السجناء وأعقلهم.. لن يضع المأمور نزلاء سجنه في مقارنة مع أساتذة الجامعات والمربين.. سيقدم لنا قائمة بأسماء كثيرة تتمتع بالأدب والاحترام والمسالمة، ولكن وفقا للمعايير السائدة في السجن، لا المعايير الأخلاقية العامة التي يحتكم إليها الناس في المسجد، أو في الجامعة مثلا.

رفسنجاني كان إصلاحيا، ولكن في إطار مؤسسته الدينية التي كان ينتسب إليها. إيمانه بهذه المؤسسة هي القوة التي أوصلته أن يدفن إلى جانب الخميني. لا تختلف أهدافه عن الأهداف الميتافيزيقية التي كان يؤمن بها الخميني وغيره من رجال الدين. رفسنجاني ليس سيئاً، ولكن المسألة قيم يؤمن بها، وملزم بالتبشير بها، وفرضها على الآخرين إذا توفرت الوسائل. مفهوم الإصلاحي أو الوسطي من المفاهيم الخطرة التي يتوجب اختبارها قبل إطلاقها واستخدامها بدلالة مطلقة.. رفسنجاني إصلاحي تحت أي المعايير، وهذا الداعية وسطي أيضا تحت أي المعايير.. الإصلاحي في مؤسسة دينية كمؤسسة الخميني، أو الوسطي في مؤسسة الإخوان هو مؤجل (مرجئ). يرى أن الوسائل المتوفرة الآن غير كافية لنشر المذهب أو الدين وفرضه على الناس.. صرف الجهد في تحسين الوسائل.. كلاهما يشكل خطرا على الحضارة.. خطر حاضر يشكله المتطرف، وخطر مؤجل يؤسس له الإصلاحي.

لكي تتبين أن الحرب التي يشعلها رجل الدين أبدية، تأمل في ضخامة الشعارات وميتافيزيقيتها، وفراغها من الأهداف الإنسانية. أعلنت إيران الحرب على العالم تحت شعار الشيطان الأكبر.. والأشقياء الآخرون أعلنوا الحرب على العالم تحت شعار الخلافة.. ستجد في داخل هذين الهدفين كمية هائلة من المصطلحات الأخلاقية المضللة التي تغطي احتياجات الأتباع، وتجتذبهم حسب أوضاعهم السيكولوجية أو المعيشية أو الاجتماعية.. (العدالة، نصرة المظلومين، حماية أعراض المسلمين).. الخ.

رفسنجاني كان إصلاحيا بمعايير المؤسسة التي ينتسب إليها، وليس بالمعايير التي تحلم بها البشرية من أجل تقدمها وحريتها؟