شملان يوسف العيسى

نشرت جريدة «القبس» الكويتية يوم الأربعاء 11 يناير الحالي تقرير التنمية الصادر عن برنامج الأمم المتحدة الإنمائي لعام 2016، والذي أكد أن نموذج التنمية في معظم الدول العربية يتسم بهيمنة محلية للقطاع العام، مما يحول الحكومات في هذه الدول إلى موفر للوظائف أو يجعلها ملاذاً لا غنى عنه لمواطني هذه الدول الباحثين عن فرص العمل.

ووفقاً للتقرير، فقد خلق نموذج التنمية بقيادة الدولة تناقضات، حيث وسّع إمكان الحصول على استحقاقات رئيسة، أكانت وظيفة عامة أم إعانات غذائية وخدمات علاجية وتعليمية، مما ساهم تالياً في رفع بعض مستويات التنمية البشرية ومؤشراتها. هكذا كانت المجتمعات العربية قادرةً جزئياً، وبسبب الاستحقاقات والالتزامات الحكومية، على خفض نسبة الفقر وعدم المساواة وعلى حماية الفئات المحرومة من بضع أسوأ الضغوط الاقتصادية في عصرنا.

وأكد التقرير أن مكاسب التنمية البشرية نادراً ما تتم ترجمتها على صعيد الإنتاجية والنمو الحقيقي، وبدلا من ذلك يتم الاعتماد على مداخيل ريعية، مثل النفط وغيرها من المواد الأولية، لاسيما أن القطاع الخاص ضعيف ومحدود، فيما يتسم القطاع العام بالسيطرة والانتشار.

وأكد التقرير أن الدولة في العالم العربي غالباً ما تتكفل بمواطنيها من المهد إلى اللحد، مما تترتب عنه نتائج سياسية واجتماعية، خاصة فيما يتعلق بنمط توزيع الثروة والسلطة في هذه الدول. وأضاف أن مساهمة الاستثمار الخاص العربي في النمو تعتبر الأدنى من نوعها في العالم، وأن السلطات في بعض الدول قد تحابي الشركات الكبيرة على حساب الناجحين من المبادرين الجدد، وأن هناك تحالفا هيكليا عميقا بين النخب السياسية والاقتصادية لأهداف مصلحية مشتركة.

تقرير الأمم المتحدة واضح وصريح، وهو ينتقد بقوة نموذج التنمية الذي سارت وتسير عليه الدول العربية منذ فترة طويلة.

والسؤال هو: إذا كان نموذج تنميتنا يعاني ويتعثر في فترة ارتفاع النفط وحالة الاستقرار النسبية التي سادت الدول العربية، فماذا سيكون مصير التنمية العربية بعد انخفاض أسعار النفط وتفشى الإرهاب والتوترات الطائفية في أكثر من بلد عربي؟

هنالك اتجاه يزعم أن انخفاض أسعار النفط سيكون نعمة وليس نقمة؛ لأن مفهوم الدولة الريعية سوف يتقلص أو ينتهى للأبد، وهذه فرصة ذهبية للشباب العربي من أجل إبراز طاقاتهم البشرية الكامنة بعيداً عن القطاع العام، الذي أصبح قوة نافذة لا يمكن منافستها، وقد ساهم في خلق مجتمع قليل التأثير. لكن هل يمكن تحقيق التنمية في العالم العربي بعيداً عن دعم الدولة وقطاعها العام؟

من الصعب الإجابة، لكن تاريخياً كانت مجتمعات الخليج قبل عصر النفط مجتمعات حية وخلاقة ومبدعة، وقد اعتمد الناس فيها على أنفسهم في كل شيء؛ فازدهرت التجارة الحرة في بلدانهم واستطاعوا الوصول إلى شرق أفريقيا والهند وأندونيسيا.. للتجارة والعمل وبحثاً عن لقمة العيش الشريف. أما اليوم فقد تغيرت الأمور، لكن الشعوب الحية لا تموت.

وأخيراً نرى أن الثروة الحقيقية للأمم هي الثروة البشرية، وهذه الثروة مبددة في كثير من الدول العربية؛ حيث نرى أن معظم شباب الخليج يعمل في قطاعات حكومية غير منتجة، بينما القطاع الإنتاجي لا يزال في أيدي عمالة وافدة. هناك دول حققت معدلات عالية في مستوى دخل الفرد، دون أن تكون لديها أي ثروات طبيعية، مثل اليابان وسنغافورة وغيرهما. روح الاجتهاد هي التي تصقل معادن الشعوب.