طارق الشناوي

 ولادة مهرجان سينمائي عربي أعتبرها مثل ولادة شاعر في القبيلة، تستحق ولا شك الحفاوة، وهكذا بدأ التحضير قبل بضعة أشهر لأول مهرجان كويتي للسينما، يفتتح 17 مارس (آذار) المقبل.
شاهدنا منذ مطلع الألفية الثالثة، مهرجانات سينمائية في كثير من دول الخليج، مثل «دبي» الذي صار يقف الآن في المقدمة، ثم «أبوظبي» الذي كان يلاحقه في النجاح ثم توقف، وبعده الدوحة «ترايبكا»، والذي توقف ولكنه أنجب مهرجاني «أجيال» و«قُمرة»، ولدى الخليج أيضًا مهرجان لسينما دول التعاون، يعقد مرة كل عامين في إحدى الدول الست، ولا ننسى مهرجان «مسقط» السينمائي الذي يناضل بكل شرف ونقاء من أجل البقاء على الساحة، وبين الحين والآخر كان للمنامة مشروع لمهرجان سينمائي أقيمت دورة ثم توقف.
بينما الكويت تأخرت كثيرًا في هذا المجال، ولا أدري حقيقة السبب، هل لأن المليح يُبطئ؟، فلم تكن المرة الأولى التي يُعلن فيها عن إقامة مهرجان سينمائي، ثم يتوقف لأجل غير مسمى.
الكويت أول دولة خليجية قدمت فيلمًا روائيًا طويلاً حقق نجاحًا عربيًا ودوليًا مشهودًا له، ولا يخلو أي رصد نقدي من التوقف أمامه، «بس يا بحر» للمخرج خالد الصديق، والذي شارك في بطولته عدد من فناني الكويت مثل سعد الفرج ومحمد المنصور وحياة الفهد وكتبه الإماراتي عبد الرحمن الصالح، وهو يروي بحميمية حياة الكويت في الخمسينات قبل النفط من خلال صيادي اللؤلؤ، قيمة الفيلم ليست لأنه الأسبق، ولكن لكونه كان ولا يزال الأصدق، وجاء ترتيبه رقم «19» بين أفضل 100 فيلم عربي في الاستفتاء الذي أقامه مهرجان «دبي» السينمائي قبل نحو ثلاث سنوات.
ورغم ذلك فلم يقدم المخرج بعدها بسنوات قلائل سوى فيلم «عرس الزين» المأخوذ عن الرواية الشهيرة للسوداني الكبير الطيب الصالح. من النادر أن تجد أفلامًا كويتية روائية، العدد قليل، وربما كانت مؤسسة اللؤلؤة التي تقودها الشيخة انتصار الصباح تلعب هذا الدور ضمن كثير من الأهداف الاجتماعية والثقافية والنفسية الأخرى التي تؤديها بكل إخلاص وتفانٍ وإنكار للذات، أنتجت مؤخرًا الفيلم الروائي «العتر»، وقبل بضعة أشهر «حبيب الأرض»، إلا أن الحركة السينمائية كانت ولا تزال متعثرة، وربما لهذا السبب تراجع مشروع إقامة المهرجان أكثر من مرة، إلا أن هذه المرة، وكما قال لي الكاتب والشاعر والفنان التشكيلي عبد الله العثمان مدير المهرجان أنه سيعقد في موعده، والجائزة تحمل اسم «السدر»، أنها تلك الشجرة القوية التي تقاوم جفاف البيئة الصحراوية، وجذورها ممتدة في عمق الأرض، ولهذا تستطيع الحياة مئات السنوات، من أجل أن تظل تمنحنا ثمرة «النبق» الشهية، المهرجان لديه طموح أن يمتد وتتسع دائرة فعالياته، هذا المرة قاصر فقط على الأفلام الوثائقية بشقيها القصير والطويل، ويمنح جائزة أولى هي الأعلى 15 ألف دينار كويتي، كما أنه جغرافيًا فتح الباب أمام مشاركات أفلام من كل دول العالم، وسوف يتسع المجال كما قال لي العثمان في الدورات القادمة، ولديه طموح لإنشاء صندوق موازٍ لدعم الأفلام العربية.
نعم تأخرت الكويت عن اللحاق بركب المهرجانات السينمائية الخليجية، إلا أن الحكمة تقول أن تأتي متأخرًا أفضل من ألا تأتي على الإطلاق.
أنتظر أن يشرق مهرجان الكويت السينمائي، وأن يملك فعلاً مقومات شجرة السدر الراسخة الجذور، القادرة على الحياة في كل الظروف، لتمنحنا أطعم الثمار، وكما يقولون ثمار الجنة!!