النخب تتحمل المسؤولية التاريخية عن موت السياسة… وخمسة مراكز سلبية عالمية تحتل مصر فيها المركز الأول

حسنين كروم

تميزت أخبار وتحقيقات ومقالات الصحف المصرية الصادرة أمس الثلاثاء 17 يناير/كانون الثاني بقدر من الحيوية والأهمية، خاصة ما يتصل بالحملات ضد الدكتور محمد البرادعي أو الشكوى من ارتفاع أسعار السلع والأدوية، فبالإضافة إلى محاودثات الرئيس السيسي والبيلاروس، فإن ما قاله الرئيس في حديثه على يومين مع رؤساء تحرير الصحف القومية الثلاث «الأهرام» و«الأخبار» و«الجمهورية» عن نظام عبد الناصر وإشادته بتجربته الاشتراكية، وأنه لن يسمح بآليات السوق في التحكم في الاقتصاد المصري، جددت شكوك كثير من رجال الأعمال، في اتجاهاته الحقيقية وسياسته في تجديد شركات القطاع العام، وكذلك المملوكة للجيش، مع فتح المجال واسعا أيضا أمام الاستثمار المصري والعربي والأجنبي، والاتفاق مع صندوق النقد الدولي.وكنا قد أكدنا من قبل أن السيسي يتجه إلى تجربتي الصين وروسيا في فتح أبواب الاستثمار واسعة مع احتفاظ الدولة بالسيطرة على الجانب الأكبر من الاقتصاد الوطني. 

كما أثار حكم المحكمة الإدارية العليا في مجلس الدولة بتأييدها تبعية جزيرتي تيران وصنافير لمصر، اهتمامات ونقاشات واسعة جدا، وإن كانت هناك عبارة وردت في الحكم لم يلتفت إليها أحد، وهي أن الحكومة وهيئة قضايا الدولة لم تقدم الأدلة الكافية على ملكية السعودية للجزيرتين، وقد هلل كثيرون للحكم. 
ومن الموضوعات المهمة في صحف أمس تأكيد رئيس مجلس النواب الدكتور علي عبدالعال على أنه لا صحة أبدا لما نشر عن أن المجلس سيناقش الإيجارات القديمة في المساكن. كما نفى ذلك رئيس لجنة الإسكان في المجلس، بعد أن طالب بعض النواب بمناقشتها وتعديلها. 
ومن الأخبار الأخرى التي نشرتها صحف أمس الثلاثاء، تعرض كمين للشرطة في منطقة النقب في محافظة الوادي الجديد إلى هجوم إرهابي ومقتل ثمانية وإصابة ثلاثة. وقال البلاغ إنه تم قتل اثنين من المهاجمين دون أن تعطي تفاصيل، عما إذا كانت جثتيهما في حوزتها؟ أم أن زملائهما سحبوها. وقيام قوات كبيرة بمحاصرة المنطقة. وكادت الشكوى من ارتفاع الأسعار المستمر في السلع تختفي بعد يأس الناس من علاجها بينما تواصلت شكاواهم من ارتفاع أسعار الأدوية. لدرجة أن الرسام أنور أخبرنا أمس في «المصري اليوم» أنه سمع اثنين في الشارع أحدهما يسأل الآخر: محتار والله أجيب علبة دوا البرد ولا أدفع ثمنها مقدم شقة للواد أحسن.
أيضا كان من الأخبار اللافتة للانتباه خبر موافقة وزارة الداخلية على طلب مدير مكتب خالد الذكر للمعلومات، ووزير الإعلام الأسبق محمد فائق على نقل مرشد الإخوان السابق محمد مهدي عاكف إلى مستشفى قصر العيني الجامعي للعلاج، لعدم توافر إمكانيات علاجه في مستشفى السجن. وإلى ما عندنا..

السيسي وعبد الناصر

ونبدأ بالرئيس عبد الفتاح السيسي وحديثه مع رؤساء تحرير الصحف القومية الثلاث «الأهرام» و»الأخبار» و»الجمهورية» وردود الأفعال عليه، حيث حرك كلامه في الحلقة الأولى المنشورة يوم الاثنين مخاوف وتساؤلات رجال الأعمال وسياسيين، التي تحدث فيها بإعجاب عن التجربة الاشتراكية أيام الرئيس جمال عبدالناصر، وهجومه على تجربتي السادات ومبارك وكان كلامه واضحا لا يحتمل أي التباس أو تفسير مثل قوله: «نحن نجدد دماء الاقتصاد المصري، ففي الخمسينيات والستينيات كان هناك شكل معين للاقتصاد له آلياته، وكانت هناك حالة انضباط حاسمة في السوق المصرية، ثم حدث تغيير لكن عندما تم التغيير ألم يكن هناك قصور في آليات السوق؟ إنني هنا لا أتحدث عن أحد بعينه ولا أحمل أحدًا تبعات أي موضوع، ولا أقدح في أي شخصية أو نظام أو منظومة، وإنما أعرض سياقًا أبني عليه لأشرح لماذا نعاني، فعندما تبدلت المنظومة وأصبحت أولوياتها هي الربح وحده حدثت سلبيات، وعندما تراكمت المشكلات الاقتصادية أصبحت هناك ضرورة لاتخاذ إجراءات للإصلاح، منها تحرير سعر الدولار. إنني أسعى لإقامة آليات موازية منضبطة لا تهدف إلى الربح المغالى فيه، وسنستطيع – بإذن الله – أن نكون داخل السوق كدولة عن طريق المنافذ وغرف البيع، وإنشاء كيانات لتوفير السلع بأسعار لا يكون هدفها الأساسي الربح، وهذا ليس عودة للنظم الاشتراكية أو آليات السوق القديمة، وإنما نسعى لإقامة آليات منضبطة تكون عازلة بين السوق الحرة – بكل ما تعنيه من شراسة الرغبة في الكسب – وبين الناس، بهدف تقليل معاناة المواطن. ونحن نعمل في إطار القانون ولا نستطيع تجاوزه، نحاول أن نسيطر أو ننظم في حدود سقف القانون. سنواجه الجشع والمغالاة بالقانون، وليس بالإجراءات الاستثنائية وأقول للجشعين توقفوا، وبيني وبينكم القانون. وإنني أقول لن أترك الناس أسري لآليات السوق الحر».
وما يضفي على هذا الكلام أهمية خاصة أنه نشر في يوم ذكرى ميلاد عبد الناصر، أي أنه يتعمد. وفي الجزء الثاني الذي نشر أمس الثلاثاء غمز السيسي في قضية ظهور علاء وجمال مبارك، وما سبق من محاولة رجل الأعمال وأمين تنظيم الحزب الوطني أحمد عز التقدم لانتخابات مجلس النواب وذلك عندما سئل: «قلتم من قبل إن عقارب الساعة لن تعود إلى الوراء، لكن نلاحظ أن بعض الوجوه التي ثار عليها الشعب عندما خرج يرفض الاستبداد والتوريث تعود لتطل من جديد كيف ترى ذلك؟ وقال: إذا كنت أنا لا أستطيع أن أستمر يوما في الرئاسة بعد الفترة التى ينص عليها الدستور، أن وعي الناس وفهمهم أكبر من أي تصور، ومن يظن أنه يستطيع أن يسيطر على إرادتهم لا يعرف المصريين. نحن دولة قانون ومؤسسات ويجب ألا نكون شديدي الحساسية، فلا أحد يحجر على إرادة الناس وكأننا أوصياء عليهم، ونخشى أن يخطفهم أو يأخذ منهم أحد الحكم، يجب عدم خلق فزاعة لأنفسنا من لا شيء».

دعوة ضد عقارب الزمن

وفي «أهرام» أمس الثلاثاء قام هاني عمارة في بابه «المشهد الآن» بمهاجمة ما قاله الرئيس عن نظام عبد الناصر، وأنه لن يترك الشعب تحت رحمة آليات السوق، وإن كان هجومه غير مباشر وإنما على آخرين على طريقة «الكلام لك واسمعي يا جارة» وكان عنوان مقاله «البرلمان يعود للاشتراكية» قال فيه: «فجأة ودون مقدمات أراد عدد من نواب البرلمان أن يعودوا بِنَا للوراء وتحديدا إلى عهد الاشتراكية في خمسينيات وستينيات القرن الماضي، حيث كانت الحكومة تسيطر وتتحكم في كل الأنشطة والخدمات التي تغطى كل مناحي الحياة على أرض مصر. وهذه دعوة ضد عقارب الزمن وضد سياسات الدولة التي بدأتها منذ سنوات وسارت فيها مشوارا طويلا نحو المنافسة واقتصاد السوق، وإعطاء مساحة واسعة للقطاع الخاص للمشاركة في خطة التنمية بلغت نسبتها حوالي 70٪.‏ مناسبة هذه المقدمة إن بعضا من أعضاء لجنة النقل في البرلمان يعدون مشروع قانون لعرضه على المجلس، يتضمن إلغاء تراخيص التوكيلات الملاحية للقطاع الخاص وعودتها مرة أخرى لتكون احتكارا حكوميا. وهذه خطوة لو تمت ستكون ردة خطيرة وستضرب سمعة صناعة النقل البحري كلها في مقتل. وستكون رسالتها للخارج أن مصر تعود إلى الخلف، في الوقت الذي تؤكد فيه القيادة السياسية والحكومة تشجيع القطاع الخاص، وجذب الاستثمارت المحلية والعالمية، فكيف يحدث هذا التناقض والتضارب الذي يؤدي إلى الاضطراب والبلبلة في سوق الملاحة؟ إنني اؤيد وبكل قوة تنظيم العمل في هذا المجال، بحيث يكون مقصورا على المصريين، سواء كان تابعا لمؤسسات حكومية أو أفرادا. وأرفض أيضا الاحتكار من أي طرف، لأنه سيضر بسمعة مصر والمصلحة العامة، وهذه رسالة للدكتور علي عبد العال رئيس البرلمان لإغلاق الباب أمام هذه الفتنة. فاصل قصير: اللهم اجعل عام 2017 عام الاستقرار في بلادنا وكل بلاد الوطن العربي، حتى يعم الخير والرخاء».
والحقيقة أن عمارة تجاهل ما حدث أيام السادات ومبارك، عندما تم تفكيك أسطول النقل البحري المملوك للدولة، وتخريبه وإهماله لإسناد نقل البضائع إلى سفن شركات أجنبية وتقاضي عمولات ورشاوى، ووصل الأمر إلى وضع خطة لتأجير ميناء الإسكندرية ذاته لشركات أجنبية، وتخريب الترسانة البحرية، ما اضطر المشير محمد حسين طنطاوي لوقف خطة بيعها وضغط على مبارك لكي يشتريها الجيش ويعيد تأهيلها.
مشاكل وانتقادات

وإلى المشاكل والانتقادات المتنوعة التي بدأها يوم الاثنين في «الأهرام» جمال نافع في عموده «عبر الأثير» عن السرقات في الجامعات المصرية والأمراض في البلاد وقال: «عندما يعيد وزير الثقافة حلمي النمنم تصريحاته التي يقول فيها إن الجامعات المصرية تحتل المركز الأول في سرقة البحوث العلمية على مستوى العالم، مؤكدًا أنه لا توجد إجراءات كافية للقضاء على هذه الظاهرة، على الرغم من جهود القضاء ولجان التأديب في الكشف عن تلك القضايا، وهو التصريح نفسه الذي أدلى به منذ نحو 6 أشهر في برنامج تلفزيوني دون أن يحرك ساكنا في الجامعات أو مراكز الأبحاث العلمية في مصر، بل للأسف كان التصريح الأخير للوزير في لجنة التعليم في مجلس النواب برئاسة الدكتور جمال شيحة، ولم يختلف أحد مع وزير الثقافة أو يصحح ما قاله. إذن فالوزير يتحدث بناء على معلومات موثقة توضح حجم المأساة التي نعيشها، فالجامعات المصرية تعج بمظاهر الفساد مثل بيع الامتحانات وتوريث المناصب الأكاديمية وضعف المستوى العلمي والإمكانات المطلوبة، فاذا كانت مصر هي الأولى عالميا في حوادث السيارات وفي عدد مرضى الكبد الوبائي وفي نسبة معدلات الطلاق وفي السرقات العلمية في الجامعات، كما أنها خرجت من التصنيف العالمي للتعليم، إذن فهناك خمسة مراكز سلبية عالمية تحتل مصر فيها المركز الأول دون أن نجد مركزا أولا في شيء إيجابي واحد، فهل تستطيع لجنة التعليم في مجلس النواب أن تضع حلولا لهذه المعضلة الجديدة عساها تقلل من الأرقام السلبية التي تحتلها مصر عالميا؟ نتمنى».
وما قاله وزير الثقافة حلمي النمنم صحيح، وما استشهد به جمال من أحوالنا السيئة صحيح أيضا، ولكن الأصح أن جامعة القاهرة استعادت مركزها بين أفضل خمسمئة جامعة على مستوى العالم، وهو ما أكده في أكثر من تصريح وحديث صحافي رئيسها الدكتور جابر نصار. كما أن جمال يتجاهل كثرة المشروعات الخيرية التي تقيمها كثير من الجمعيات لعلاج غير القادرين مجانا، وإجراء عمليات كبرى لهم دون دفع أي مبالغ، مثل مستشفى مجدي يعقوب، وجمعية الأورمان التي أنشأت مستشفى ضخما لعلاج السرطان في أسيوط، حتى لا يأتي المرضى من الصعيد إلى القاهرة وجمعيات تقيم منازل وتمدها بالمياه والصرف الصحي أي أن الدنيا ما زالت بخير.

المعارضون والموالون

أما في «المساء» فكتب خفيف الظل محمد أبو كريشة قائلا: «المشاهر ونجوم القلم والرأي في مصر هم المعارضون الشتامون السبابون، من فئة الذين قال عنهم المثل الشعبي «علمني الهيافة أو الغلاسة أو الرخامة يا بابا، قال له تعالى في الفارغة واتصدر». المعارضون شجعان وأبطال ومناضلون ولو كذبوا. والموالون منافقون وكاذبون ومطبلون ومزمرون ولو صدقوا. والحاكم أو المسؤول يظل حبيب الكل إلى أن يتولى المسؤولية ويفقد الحب بمجرد جلوسه على كرسي المسؤولية، هو سيارة على الزيرو قبل أن يتولى المسؤولية سعرها مثلا مليون جنيه وبمجرد أن تسير عدة كيلو مترات تفقد نصف ثمنها، رغم أنها بحالتها. في مصر من قال لا فقد صدق ومن قال نعم فقد كذب. المعارض شجاع ووطني، والموالي جبان وخائن. وعندما كنا طلابا في الجامعة ويدور بيننا نقاش حول الأوضاع كان أحدنا مثلا يقول رأيا منصفا للحكومة أو الحاكم فينبري له الزملاء قائلين هذا عميل للمباحث، ويتحول إلى أجرب يتجنبه الجميع والصحف الأكثر توزيعا والبرامج الأكثر مشاهدة هي المعارضة والمناكفة والمناوئة للحكومة والحاكم. حتى نواب الشعب في البرلمان يقدمون أسئلتهم وطلبات إحاطتهم وبياناتهم مشفوعة بالسب والقذف، ولعن أبو الحكومة. كان يقول أحدهم الفلاح مات مقتولا بيد الحكومة والنائب هنا يريد فقط أن يثبت أنه شجاع ووطني ومنحاز للشعب، ولو على جثة الحكومة. وهناك انطباع غبي بأنك لابد أن تختار بين الانحياز للحكومة أو الانحياز للشعب والوطن، وكأن الحكومة دائما غير وطنية، وكأنها ضد الشعب. الحكومة دائما في رأي المصريين ضد الشعب وهو فلكلور شعبي مصري قديم. الشعب بريء والحكومة مذنبة. الشعب مظلوم والحكومة ظالمة الحكومة سبب الغلاء والوباء والفساد، ولا يوجد نائب واحد في البرلمان ولا يوجد كاتب رأي واحد يمكن أن يتهم الشعب بالتسيب والإهمال والسعار الاستهلاكي والأنتخة والتوقف عن الإنتاج وممارسة الفساد والبلطجة. لا أحد يطالب بإصلاح الشعب ولكن الكل يطالب بإصلاح أو إسقاط النظام.

مصر لا تحتاج إلى ولي أمر

وإلى محمد آخر وهو محمد عبد الحافظ رئيس تحرير مجلة «آخر ساعة» ومشكلة أخرى عن جمعيات حقوق الإنسان ورفض الخارجية المصرية لبيان الاتحاد الأوروبي الذي انتقد محاولات التضييق عليها فقال: «لا يمكن أن تترك الدولة كل من هب ودب يعيث في البلد فسادا ويفسد المجتمع من خلال جمعيات سمت نفسها حقوقية، ولا تبحث عن حقوق المصريين بل تريد أن يكون للممولين حقوق في بلدنا. الـ48 ألف جمعية الموجودة حاليا تكفي وتزيد في مصر. حالة الفوضى التي كانت تمنح فيها التراخيص هي التي أثمرت هذه العشوائيات في الجمعيات التي كان لها أثر إيجابي كبير في القرن التاسع العاشر وأوائل القرن العشرين، في بناء المدارس والمستشفيات ومساعدة الفقراء، وكان العمل فيها تطوعيا، بل كان الذين يعملون فيها ينفقون من أموالهم. لابد أن يعرف الاتحاد الأوروبي وبريطانيا وأمريكا وكل دول العالم أن مصر ليست قاصرة ولا تحتاج إلى ولي أمر، أو وصي على أفعالها، أو من يرشدها، فنحن نملك من النضج ما يكفي لتسيير أمورنا، وإذا كانت أي دولة تريد أن تساهم معنا في مشروعات تنمية اجتماعية أو ثقافية فمن خلال حكومتنا وبشروطنا، وبالطريقة التي تتناسب معنا، وعبر برامج نوافق عليها دون قيد أو شرط، ومن يريد أن ينعم بدولارات أو يوروات أو دينارات أو ريالات أي دولة فليذهب إليها».

سوق الإعلانات

وفي «أهرام» أمس أثار الشاعر فاروق جويدة في عموده اليومي «هوامش حرة» مشكلة أخرى عندما اتهم الدولة بالصمت عن محاولات السيطرة على سوق الإعلانات لحساب بعض القنوات الفضائية قال فاروق: «عندي تساؤلات كثيرة حول ما يدور في الساحة الإعلامية المصرية. هناك أكثر من سؤال عن الاندماجات التي تحدث في شركات الإعلانات التي تسعى للسيطرة على سوق الإعلانات لحساب بعض الفضائيات، وهذا يعني السيطرة على أهم مصادر الدخل في القنوات الفضائية، وهذا أيضا يعني أن الذي يتحكم في سوق الإعلانات سوف تكون له اليد العليا في تحديد سياسات هذه الفضائيات، بل برامجها ومذيعيها وحتى مواقفها السياسية، إذا كانت لها مواقف. السؤال الثاني هل يجري ذلك كله بالتنسيق مع مؤسسات الدولة؟ أم أن هذا يجري من ورائها؟ وإذا كان في ذلك شيء من التنسيق فلماذا تنحاز الدولة إلى فريق إعلامي إعلاني بعيدا عن الآخرين؟ وهل من مصلحة الدولة أن تنحاز لفريق دون الآخر؟ وإذا كانت الدولة بعيدة عن ذلك ولا تدري عنه شيئا فأين الضوابط التي تحكم السياسة الإعلامية للدولة وقد أصدرت قوانين لم يبدأ تنفيذها حتى الآن؟ هناك سؤال آخر ما هي علاقة هذه التكتلات الإعلانية بمستقبل الإعلام الرسمي ممثلا في اتحاد الإذاعة والتلفزيون بقنواته وإذاعاته، وكيف سيواجه هذا الإعلام هذه الاحتكارات الضخمة وهو المصير نفسه الذي ستواجهه المؤسسات الإعلامية والقنوات الفضائية الأخرى المنافسة؟».

الانقسام النكد

وآخر المشاكل والانتقادات في تقرير اليوم ستكون من نصيب فهمي هويدي الذي أبدى استياء واضحا مما يحدث من خلافات بين النخب السياسية وقوله: «الانقسام النكد قضى على روح ثورة يناير/كانون الثاني 2011 التي ذابت فيها كل تمايزات الصف الوطني، الأمر الذي ألغى دور القوى السياسية وأفرغ الساحة تماما لصالح الأجهزة الأمنية، التي تولت هندسة وصياغة الحالة السياسية، وبمضي الوقت اختفى دور النخب السياسية، وما عاد ممكنا الحديث عن تيارات مدنية تدافع عن حقوق المجتمع، وإن بقي في الساحة أفراد يحاولون القيام بذلك الدور، ومن ثم بقيت في الساحة المنظمات الحقوقية التى مازالت تحاول إنقاذ ما يمكن إنقاذه لحماية المجتمع ضد انتهاكات السلطة وتجاوزاتها. الخلاصة أن النخب المصرية علمانية وإسلامية تتحمل المسؤولية التاريخية عن موت السياسة والإسهام في إضعاف المجتمع المدني وهزيمته. صحيح أن السلطة القائمة لها دورها الذي لا ينكر في ذلك، إلا أن تلك النخب أعانتها على ذلك، وحين يتاح لنا أن ندقق في سجل المراحل التي تعاقبت بعد ثورة يوليو/تموز 1952 سنجد أن تغييب الديمقراطية كان له دوره الأكبر في إضعاف المجتمع ونزع عافيته السياسية، حتى غدت النخب المصرية إفرازا طبيعيا للإجواء التي سادت منذ ذلك الحين، الأمر الذي ينطبق عليه تعبير الشوام: هيك نخب جاءت مناسبة تماما لهيك أوضاع. وذلك تاريخ تحتاج وقائعه إلى تحرير ومناقشة لم يتوافر لهما لا الوقت المناسب ولا الشجاعة الكافية».

تيران وصنافير

وننتقل إلى قضية الساعة قضية عودة جزيرتي تيران وصنافير لحضن الأم، وما قاله سعيد الشحات رئيس التحرير التنفيذي لـ«اليوم السابع» أمس الثلاثاء: «بالطبع فإن الصدفة البحتة هي التي جعلت توقيت صدور الحكم بمصرية الجزيرتين متزامنا مع ذكرى ميلاد جمال عبد الناصر «15 يناير/كانون الثاني 1918» غير أن الصدفة، أي صدفة بنتائجها سلبا أو إيجابا تحمل دلالات لمن يريد أن يتوقف أمامها لأخذ العبر. وفي هذه القضية يتجدد استدعاء ما قاله جمال عبدالناصر حولها، الذي يتم تداوله منذ أن أثيرت قبل شهور يقول عبدالناصر: «إذا قلنا إن المياه الإقليمية 3 أميال فهي مياه إقليمية مصرية، وإذا قلنا إن المياه الإقليمية 6 أميال فهي مياه إقليمية مصرية، وإذا قلنا إن المياه الإقليمية 12 ميلا فهي مياه إقليمية مصرية. والممر اللي بتمر فيه البواخر بيمر على مسافة أقل من ميل من السواحل المصرية في سيناء، وعلى هذا الأساس فنحن لم نسمح في الماضي قبل 1956 للسفن الإسرائيلية أن تستخدم مضيق تيران».هل يوجد كلام فيه قطع أكثر من ذلك؟ وسؤالي موجه أكثر إلى الناصريين الذين وضعوا كل هذا الكلام على الرف، ومنهم من قام بتأويله».

دولة الحكم الفردي

ومن «اليوم السابع» إلى «الشروق» ومقال الكاتب محمد عصمت عن الجزيرتين يقول: «بعد أن أسدلت المحكمة الإدارية العليا الستار على قضية تيران وصنافير، بحكمها التاريخي الذي أكد أنهما جزء لا يتجزأ من الأراضي المصرية، طبقا لما انتهى إليه تقرير هيئة مفوضى الدولة، يبدو أن الوقت قد جاء لطرح الأسئلة الواجبة على كل من زعم بعدم مصرية الجزيرتين، وكاد أن يسلمهما للسعودية بطريقة مشوشة، استخفت بالرأي العام وبمواد الدستور، لأسباب غامضة حتى الآن. قد تكون هناك تساؤلات متعلقة بالسرعة التي أرادت بها السلطة في مصر تسليم الجزيرتين للسعودية، ومدى ارتباط هذه الخطوة بإعطاء إسرائيل الحق القانوني في استخدام مضيق تيران بحرية مطلقة، إذا فقدت مصر سيادتها عليه، وهو الأمر الذي يرتبط بسيناريوهات غامضة حول بناء شرق أوسط جديد، يقال إنه سيشهد تقسيم دول، وضرب منظمات متطرفة، وإشعال حروب بالوكالة عن الإدارة الأمريكية الجديدة، وتطبيع العلاقات بين عدد كبير من الدول العربية وإسرائيل سيكون على حساب الحقوق الفلسطينية بالقطع.
لكن السؤال الأهم الآن يتعلق بالطريقة التي أدارت بها السلطة في مصر قضية الجزيرتين، فالرئيس عبدالفتاح السيسي يجب أن يحاسب ويحقق مع كل المسؤولين الذين قدموا له معلومات وبيانات ووثائق ثبت بحكم قضائي أنها غير صحيحة. المحاكمة والمساءلة مهمة على الأقل لتقاعسهم عن أداء واجبهم، وإعطاء الرئيس معلومات مغلوطة كان من شأنها التفريط في أرض الوطن. أما رئيس الوزراء شريف إسماعيل الذس وقع على اتفاقية ترسيم الحدود البحرية مع السعودية، فإن إقالة حكومته هو وكل أعضاء وزارته أصبح واجبا وطنيا ملحا، فالحكومة أهدرت قسمها على الدفاع عن وحدة الوطن وسلامة أراضيه، طبقا لنص المادة 165 من الدستور، وهو ما يطرح تساؤلات مهمة حول إمكانية تقديم أعضائها للمحاكمة، حتى لو قدمت استقالتها طبقا لنص المادتين 159 و173 للمحاكمة، وهي خطوة ينبغي أن يتخذها البرلمان فورا، طبقا للصلاحيات التي أعطاها له الدستور، وإلا فإنه سيعرض نفسه لفقدان ثقة الناخبين التامة به، ويجعله يبدو وكأنه تابع أمين للسلطة التنفيذية، لا معبرا عن الشعب. حكم الإدارية العليا هو عنوان الحقيقة في قضية تيران وصنافير، وأي التفاف عليه بألاعيب قانونية سيضع النظام السياسي المصري بأكمله فوق فوهة برهان، بل سيقوض كل أركان الدولة من الناحية الدستورية والأخلاقية، فعدم احترام أحكام القضاء هو أقرب طريق لإسقاط الدولة ــ أي دولة ــ ونزع أي شرعية عنها، وهو أيضا البوابة التي تشعل جحيما حقيقيا من الفتن والفوضى والاضطرابات، التي لن يستطيع أحد الوقوف ضدها طويلا. ما ينبغي أن نلتفت إليه الآن، هو ضرورة إجراء مراجعات جذرية لأسلوب إدارة الحكم في مصر، والتوقف فورا عن الترويج لدولة الحكم الفردي التي تتبناها أصوات شاذة تبحث عن مصالحها الخاصة، ليس فقط لأن هذه الدولة فشلت مع عبدالناصر والسادات ومبارك، وأسفرت عن كوارث خطيرة، ولكن لأن المصريين بعد ثورة يناير/كانون الثاني، ليسوا هم المصريين الذين تعايشوا مع النظم الشمولية السابقة، ورضوا بها جهلا أو خوفا، هناك جيل جديد من الشباب في مصر لن يرضخ لنظم من هذا النوع، تحت أي ضغوط أو وعود أو إغراءات».

مصر وترامب

وإلى مصر والرئيس الأمريكي الجديد دونالد ترامب وجريدة «الوطن» لنكون مع مستشارها وأستاذ الإعلام في جامعة القاهرة الدكتور محمود خليل في عموده اليومي «وطنطن» الذي سنجده يدافع عن ترامب وأسباب نجاحه فقال: «جاءت واقعية للغاية بالنسبة للناخب الأمريكي، فكلامه عن أن الولايات المتحدة الأمريكية لن تحارب إلا لحساب نفسها، وأن أي دولة تطلب منها الحماية لا بد أن تدفع الثمن، اعتبره المواطن قمة الواقعية، وقد رآه كذلك وهو يسترجع في مخيلته الآثار السلبية للحروب التي خاضها الرؤساء الأمريكيون السابقون على الاقتصاد، فرحب به، والأمر نفسه ينطبق على التعهد الذي قطعه ترامب على نفسه بتخفيض الضرائب من 35٪ إلى 15٪ على الشركات والمشروعات الصغيرة والمتوسطة. كل هذه الأمور دفعت المواطن دفعاً إلى ترجيح كفته على كلينتون التي وعدت المواطن بأن تبقى الأوضاع على ما هي عليه، فرأى فيها مبعوثة للنظام القديم من أجل مواصلة عملية النحر – غير المفهوم – في الهيبة والاقتصاد الأمريكي. ترامب خاطب المواطن الأمريكي بلغة يفهمها. هذا الرجل الذي تتهمه النخب بالبلادة عرف أن المواطن – في كل الدنيا- لم يقرأ في كتاب «السياسة» غير فصل «الاقتصاد».

مؤتمر باريس

وإلى «الأخبار» وجلال عارف رئيس المجلس الأعلى للصحافة، الذي أشار أمس الثلاثاء في عموده اليومي في الصفحة الأخيرة «في الصميم» إلى قرارات مؤتمر باريس التي حذرت من استمرار إسرائيل في سياسة بناء المستوطنات، وضرورة ووقفها لإتاحة الفرصة لدولة فلسطينية غير مقطعة الأوصال وأضاف: «أصبحت الدعوة – بعد انتخاب ترامب – محاولة لوقف ما هو أسوأ في ظل تعهد ترامب بنقل سفارة أمريكا إلى القدس، والاعتراف بها عاصمة لإسرائيل، وهو ما لا يدركه – ترامب – أنه دعوة لإشعال المنطقة ونسف المصالح الأمريكية ومنح الإرهاب فرصة استثنائية لكي ينمو ويتمدد ويشيع الفوضى في العالم كله. مؤتمر باريس والبيان الصادر عنه هــــو محــــــــاولة لإنقاذ الوضع، لا توجه خطابها بالأساس إلى نتنياهو بل إلى ترامب حتى لا يشعل الموقف وحتى يفهم أن القدس الشرقية لا يمكن أن تكون إلا فلسطينية عربية، وأن أي عبث بهذه الحقيقة هي لعب بالنار التي ستحرق من يشعلها. والسؤال هو: هل يفهم ‬ترامب حقيقة الموقف أم يقود المنطقة والعالم إلى كارثة جديدة؟».

العلاقات المصرية الأمريكية

أما الرئيس السيسي فقد أجاب أمس في الجزء الثاني والأخير من حديثه مع رؤساء تحرير الصحف الثلاث «الأهرام» و«الأخبار» و»الجمهورية» عن سؤال نصه: هناك رئيس أمريكي جديد سيتولى منصبه يوم الجمعة المقبل، ما هي توقعاتك للعلاقات المصرية الأمريكية في ظل الإدارة الجديدة، وكذلك التعاون في مجال مكافحة الإرهاب ودفع عملية السلام؟ فقال: سيكون هناك تفاهم أكبر واستعداد للتعاون وتنسيق أعمق، وهناك بعض الملفات تحتاج إلى مزيد من التفاهم والتعاون مثل، القضية الفلسطينية. ومطلوب أن نوضح للإدارة الأمريكية وجهة نظرنا فيها. وبالنسبة لمكافحة الإرهاب، هناك إشارات إيجابية للتعاون من خلال تبادل الخبرات والمعلومات وإمدادنا بمعدات. كما توجد إشارات مهمة وتقدير كبير لدور مصر في المنطقة. والفترة المقبلة ستشهد تنسيقاً أكبر مع الولايات المتحدة كنت أتوقع أن يفوز، وكان تقديري للموقف مبنيا على أنه لمس بصراحته وصدقه عقل وقلب المواطن الأمريكي».