محمود معروف

 كلما ظهرت بوادر قرب تشكيل الحكومة المغربية ظهرت معيقات جديدة، ليبقى السؤال مطروحاً عن افشال عبد الاله بن كيران زعيم حزب العدالة والتنمية في تشكيل هذه الحكومة او تسهيل مهمته خاضعاً لحسابات غير حسابات صناديق الاقتراع التي أهلت حزبه للمرتبة الاولى وقيادة الحكومة الثانية في ظل الدستور الجديد.
ولعل «المحللين السياسيين» بالمغرب لم يعودوا يجدون في اللغة كلمات جديدة تفسر وتحلل «البلوكاج» الذي لا زال يتحكم في «عملية ديمقراطية» عادية لو لم تكن «معاقبة» بن كيران وحزبه على ارتكابهم «ذنب» الفوز بانتخابات السابع من تشرين الأول/ اكتوبر الماضي، لكن المغرب الذي يحاول الفاعلون السياسيون والحزبيون فيه، منحه صفة الاستثناء والاختلاف، عن الديمقراطيات في العالم.
وأفرز هذا الاستثناء انتخاب الحبيب المالكي، مرشح الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، الذي احتل المرتبة السادسة (20 مقعداً)، رئيساً لمجلس النواب، ليخلق حلقة جديدة من مسلسل «البلوكاج» التي يخلقها ويكتبها مناهضو بن كيران، لان هذا الحزب بالنسبة لبن كيران خارج الاغلبية الحكومية، والاعراف تقول بأن رئيس مجلس النواب من الاغلبية.
والقراءة الوحيدة لانتخاب المالكي رئيساً لمجلس النواب، وهو الذي رشحته جبهة مناهضة بن كيران في اليوم التالي للانتخابات، هو افهام بن كيران ان فوز حزبه غير مقبول، وعليه ان يؤدي ضريبة هذا الفوز خضوعا لمناهضيه، خاصة في اوساط المراجع العليا. 
وأعلن حزب التقدم والاشتراكية المرشح للمشاركة بالحكومة والذي صوت على المالكي، بورقة بيضاء أن موقفه يرجع بالأساس إلى عدم تحقيق التوافق المطلوب، إذ تقدم الحزب بمقترح أن تسند رئاسة هذا المجلس لأحد المكونات المعنية بتشكيل الأغلبية، ثم بمقترح بلورة اتفاق سياسي يقضي بالتزام الحزب الذي ستسند إليه رئاسة مجلس النواب، أياً يكن موقعه المستقبلي، بدعم ومساندة الأغلبية الحكومية التي سيتم تكوينها.
وأكد المكتب السياسي للحزب، أنه «يسجل بأسف بالغ عدم التمكن من تحقيق التوافق المطلوب حول هذه الحول، الشيء الذي يفسر وقف المشاركة في التصويت بورقة بيضاء من طرف نواب الحزب».
وجدد التأكيد على ضرورة إيجاد مخرج بناء للوضعية الحالية، بهدف تعزيز النموذج الديمقراطي المغربي، في كنف المشروعية الدستورية وفي احترام للإرادة الشعبية، «ومجابهة الملفات الاقتصادية والاجتماعية لجماهير شعبنا ومطالبها المشروعة، وتمتين الجبهة الداخلية، كشرط لازم للدفاع عن قضايانا الوطنية الكبرى، وفي مقدمتها قضية وحدتنا الترابية».
وقال نبيل بنعبد الله، الأمين العام للحزب إن حزبه بذل مجهودات مضنية لتقريب وجهات النظر بين طرفي الأزمة الحكومية، بهدف الحفاظ على المسلسل الناتج عن الانتخابات التشريعية للسابع من تشرين الأول/أكتوبر الماضي، وما يقتضيه الدستور في أفق تسهيل تشكيل الحكومة من قبل رئيسها المعين.
وكشف عن مبادرتين خلال الأسبوع الماضي قدمهما للخروج من الأزمة واستمرت الاتصالات المكثفة إلى الساعات الأخيرة قبل جلسة الاثنين؛ لكنهما رفضتا، مستغرباً من المواقف التي عبرت عنها الأطراف الأخرى في تعاطيها معهما، في إشارة إلى التجمع الوطني للأحرار الذي يقود عملية مناهضة بن كيران ولي ذراعه.
وقال «اقترحنا أن يتحمل حزب التجمع الوطني للأحرار مسؤولية رئاسة مجلس النواب، بما يحفظ إمكانية تشكيل أغلبية»، حيث «أن مبررات هذا الطرح قائمة على أن التجمع سيكون جزءاً من هذه الأغلبية في جميع الحالات، وهذا يحفظ تشكيل الحكومة» الا أن هذا المقترح لقي رفضاً من رئيس التجمع الوطني للأحرار حيث «ربطنا تحمل الاتحاد مسؤولية رئاسة مجلس النواب بضرورة الأخذ بعين الاعتبار الوصول إلى حل توافقي يحفظ ماء وجه رئيس الحكومة»، مبرزاً «أن المقترح كان هو مساندة الاتحاد للحكومة».
وأضاف أنه تم اقتراح ترك الباب مفتوحاً في المستقبل بعد تشكيل الحكومة لإمكانية التحاق الاتحاد الاشتراكي بها، مستغرباً من كون هذا المقترح هو الآخر لم يتم التعامل معه بإيجابية ولم نتوصل بأي رد رسمي عليه.
وقال الأمين العام لحزب التقدم والاشتراكية إن المسؤولية السياسية كانت تقتضي قرار التصويت بورقة بيضاء، لأن الحزب يعي تمام الوعي بضرورة انخراط ممثلي الأمة كافة في المصادقة على القانون التأسيسي للاتحاد الإفريقي وبروتوكول التعديلات المتعلق به، وعلى مشروع القانون الذي يصادق بموجبه على القانون المذكور، والذي أجازه المجلس الوزاري، في إطار تفعيل القرار الذي أعلنه الملك في خطابه الموجه إلى القمة الإفريقية السابعة والعشرين، التي احتضنتها كيغالي في يوليوز الماضي، والمتعلق بعزم المملكة المغربية العودة إلى البيت الإفريقي.
وقال بضرورة أن يجد الطرف الآخر، الذي شكل جزءاً من التحالف لانتخاب رئيس مجلس النواب، الصيغة التي تمكن من الخروج من الوضع الذي توجد عليه البلاد، محذراً من عدم تجاوز الحدود التي يمكن الوصول إليها بعد الوضع الجديد الذي أفرزه انتخاب المالكي رئيساً للغرفة الأولى من البرلمان المغربي.
وهاجم حزب الاستقلال، الذي قاطع جلسة انتخاب المالكي، قيادة حزب العدالة والتنمية، وقالت افتتاحية يومية «العلم» الناطقة بلسانه إن «قيادة (العدالة والتنمية) تعاملت بطريقة فجة وتجنباً لتزكية الغموض، قرر الفريق الاستقلالي الانسحاب من جلسة انتخاب رئيس مجلس النواب».
وأكدت «العلم» أن حزب «الاستقلال» قرر دعم مرشح «العدالة والتنمية» «إن حصل فعلاً ذلك»، لكن «الذي حدث أن قيادة (العدالة والتنمية) لم تتصل بقيادة حزب (الاستقلال) إلا قبل ساعتين من بداية جلسة انتخاب رئيس المجلس، حيث أبلغتها بأن فريق (العدالة والتنمية) سيصوت بالورقة البيضاء»، وهو الأمر الذي رفضته القيادة الاستقلالية.
واوضحت ان رفض حزب الاستقلال لمقترح «التصويت بالورقة البيضاء»، لأن «الأمر أولا يتعلق بتنسيق سياسي وليس بإعطاء تعليمات وتبليغ قرارات قصد التنفيذ بإنضباط كامل»، لذلك «عبر أعضاء الفريق الاستقلال عن امتعاضهم لهذا التصرف المثير الذي أقدمت عليه قيادة البيجيدي»، كما عبر الفريق الاستقلالي عن تخوفه من أن «يكون الامر يتعلق بصفقة سياسية ارتأتى رئيس الحكومة أنها الصيغة الوحيدة المتبقية له للنفاذ بجلده في مسار مشاورات تشكيل حكومة ستوديو مشوهة». وأكدت أن الفريق الاستقلالي لـ «الوحدة والتعادلية» قرر عدم تزكية «الأمر الواقع الذي سعى البعض إلى فرضه فيما يتعلق بانتخاب رئيس مجلس النواب».
واعتبر محمد الغالي، أستاذ العلوم السياسية والقانون الدستوري بجامعة مراكش، أن حزب التجمع الوطني للأحرار، يريد تجاوز تشكيلة الحكومة السابقة لضمان تموقع جيد داخل الحكومة الجديدة، بإصراره على إدخال الاتحاد الاشتراكي والاتحاد الدستوري.
وقال إن ما يطرحه الأحرار بخصوص إدخال الاتحاد الاشتراكي للحكومة، «هو فرض نوع من التوازن لتجاوز فرق الـ88 مقعدا بينه وبين حزب العدالة والتنمية، عبر إدخال الحصان والوردة لضمان هذا التوازن والتموقع جيداً داخل الحكومة» وأن أخنوش يتعامل بمنطق حسابي و»رابح رابح» مع الأحزاب الثلاثة المتحالفة معه (الاشتراكي والدستوري والحركة)، لافتاً إلى أن خلق أزمة لمعالجة أزمة أخرى هو منطق سياسي متداول.
وتتوقع مصادر حزبية ان يركز بن كيران مفاوضاته مع عزيز اخنوش اقناعه بالتخلي عن مشاركة الاتحاد الاشتراكي بالحكومة لأن الأمانة العامة لحزب العدالة والتنمية، وعبد الإله بن كيران، متمسكين باستبعاد الاتحاد نظراً للدور الذي لعبه إدريس لشكر كاتبه الاول، في تعثر المفاوضات، والذي عطل الإعلان عن الأغلبية الحكومية من جهة، وساهم في تقارب الأحزاب الأربعة، التجمع الوطني للأحرار والحركة الشعبية والاتحاد الدستوي ثم الاتحاد الاشتراكي، وهو التحالف المدعوم من طرف حزب الأصالة والمعاصرة.
وقال موقع فبراير ان عبد الإله بن كيران، كان يتمنى أن يقبل إدريس لشكر الالتحاق بالأغلبية التي كانت تضم حينها العدالة والتنمية وحزب الاستقلال والتقدم والاشتراكية، والتي تضمن له 202 مقعد، أي أغلبية نسبية وإن ليست أغلبية قوية وهو ما قبله لشكر الا انه تراجعه شكل منعطفاً كبيراً في مسار المفاوضات، تزامن بالصدفة أو بغيرها مع اشتراط استبعاد حزب الاستقلال من الحكومة، وهو ما جمد جميع الاتصالات، خاصة بعد أن وقعت الأحزاب الأربعة بلاغاً غير مسبوق أبان عن وجود أغلبية لا يقودها الحزب الذي حصل على الرتبة الأولى في الانتخابات التشريعية.
وتعتقد قيادة العدالة والتنمية أنه ما دام حصل الاتحاد الاشتراكي على مقعد رئاسة البرلمان، وهو ثالث منصب سام في الدولة، فبإمكانه الاصطفاف في المعارضة النقدية، على غرار حزب الاستقلال، على أساس القبول باستوزار الاتحاد الدستوري الذي يشكل نوابه فريقاً موحداً مع نواب التجمع الوطني للأحرار، فهل يقبل أخنوش بهذا المخرج؟ هل يضحي بالاتحاد الاشتراكي؟
وقال عبد الرحيم العلام، الباحث في علم السياسة، أن أول مشهد خيم على أعضاء حزب العدالة والتنمية، خلال جلسة انتخاب رئيس مجلس النواب، هو مشهد الإحباط، «خرجوا بخفي حنين» لا هم ربطوا عدم تقديمهم مرشح ضد الحبيب المالكي بصفقة من أجل تشكيل الحكومة، ولا هم قدموا مرشحاً منافساً للمرشح الاتحادي لحفظ كرامة وجههم على الأقل».
واضاف أن ما حدث في جلسة انتخاب رئيس مجلس النواب سيكون له تأثير على المشهد السياسي حزب في مرتبة متأخرة في الانتخابات يحصل على المرتبة الثالثة في هرم السلطة، وأن هذه الممارسة تكرس موقف اللامبالين والعازفين عن السياسة ويقوي جبهتهم ويزكي القتل الممنهج للحياة السياسية والحزبية التي بدأت منذ إجبار عبد الله إبراهيم سنة 1959 على تقديم استقالته من الحكومة. وقال «المغرب مستمر في نهج كل سلوك سياسي يبعدنا عن الاهتمام بالشأن العام» وإذا كان الأمر على هذا النحو لماذا الناس يمنحون أصواتهم ولماذا لدينا حزب أول وثانٍ.