سمير عطا الله

 يبدو للذي يتابع مكاوي سعيد أن المؤلف المصري يقسم حياته المهنية إلى قسمين: روائي في دور النشر، وحكواتي في «المصري اليوم». ولا أعرف أيهما أحب عليه وأغلى عنده. لكنه يتقن فن الحكواتية إتقانًا رفيعًا. ومن مصطبته هذه، يعطي لنفسه الحق في الانتقاء من شتى الصفحات في تاريخ مصر. فلا حدود ولا تحديد. من محمد علي إلى ماري منيب، ومن فؤاد الأول إلى يوسف وهبي، ومن بيرم التونسي إلى السينما الصامتة.
ويصعب أن تحزر ماذا ستكون الحكاية المقبلة؟ وكم فصلا سوف تكون؟ وهل ستكون حكاية الطرب أم حكاية الزار وسحق الرؤوس بأقدام الخيل؟ وتاريخ مصر واسع مثل مصر. ودراماتيكي مثلها. وفرح وحزين. وينبوع حكايات وقصص وفواجع وقسوة وسخريات. ومكاوي سعيد يغرف، لا من بحر، بل من محبرة أكبر. ومثل من يبيع «الميه في حارة السقايين»، يذكّر المصريين بأصول المباني التي يمرون بها أو التي يعيشون فيها، أو بتفاصيل الشوارع والمناطق والفنادق والحارات وما غني فيها ولها.
يعيد كتابة تاريخ مصر السياسي والاجتماعي والفني والأدبي من خلال مصادر الأيام، صحفًا ومجلات ومذكرات وحوارات وشهادات. يدخل البيوت القديمة والحدائق القديمة والمطابخ القديمة، وأحيانًا، يتسلل من فوق الشرفات ليتنصت إلى الخناقات والمجادلات.
مصر بحر لا نهاية له، وهذا الصياد الماهر جالس على الشط ينتظر المحار المثقل بالقصص، واحدة خلف الأخرى. وأحيانًا أتساءل: ماذا لو حاول صحافي عربي آخر أن يقلّد مكاوي سعيد، وراح يبحث في ماضي بلده عن حصاد مشابه؟ لا تتعب. مصر كنز من الحكايات الملونة المرصعة والغريبة، ولن تعثر على مثيل لها في بلدان أخرى. حكايات مصر أشبه بالتاريخ البريطاني، أو الفرنسي. التاريخ الأميركي جدب، بالمقارنة. ونحن في لبنان لدينا كم حكاية حوّلها الرحابنة إلى متع مسرحية، وانتهى الأمر. الباقي إما دراما خالصة وإما أشياء لا أهمية لذكرها أو استذكارها.
لكن غنى المادة لا يقلل من حرفية مكاوي سعيد في الانتقاء والسرد والمقدرة على الاختصار، أو على القفز فوق الأحداث من دون التأثير في متون المراحل. وقد دفعتني بعض مختاراته إلى إعادة الفصول التاريخية نفسها. وهو ماض، وفقه الله، في مسلسلاته، ينافس ببساطة ومن دون كلفة سوى الجهد الشيق، مسلسلات التلفزيون. موسم الحكواتي البلدي، أسبوعي بلا ملل.