سلمان الدوسري

بينما كانت الأنظار باتجاه آستانة لمعرفة جدية موسكو في الدفع نحو وقف إطلاق النار، وإخراج 13 ألف معتقلة في سجون النظام السوري، ووصول المساعدات إلى المناطق المحاصرة، بعدما لاحت بارقة حل سلمي ينهي حربًا شعواء قضت على البشر والحجر بفعل النظام الذي تدافع عنه روسيا باستماتة، فوجئ السوريون بحرب دستورية تحت اسم تعديلات دستورية، وكأن سوريا لا تكفيها حرب أكلت الأخضر واليابس خلال ست سنوات، وكأن شعبها لا يكفيه احتلال روسي إيراني و66 ميليشيا تقاتل إلى جانب النظام، حتى تشرعن بدستور يكتب بأيد روسية.


ليست سوى سابقة دولية عندما تتجرأ دولة ما على كتابة دستور دولة أخرى مؤسسة لنوع جديد من الدساتير المفروضة من الخارج، هذا ما فعلته روسيا بتقديم مسودة دستور جديد لسوريا، يحل محل الدستور الحالي الصادر في 2012، «أعدها خبراء روس من أجل تسريع العملية (السياسية)»، بحسب ما أعلنه موفد الرئيس الروسي إلى سوريا ألكسندر لافرنتييف للصحافيين في ختام محادثات آستانة، وكأن الأزمة في سوريا في حاجة للمزيد من التعقيد، بدلاً من إعطاء الشعب السوري حقه، كأي شعب في العالم، في اختيار نظامه السياسي والاقتصادي والاجتماعي دون تدخل من أي دولة كانت صديقة أو عدوة، فما بالك إذا كانت هذه الدولة يعتبرها جزء كبير من السوريين والعالم دولة محتلة، ألا يؤكد ذلك أن روسيا تبحث بأي طريقة لإبقاء هيمنتها على سوريا والحفاظ على مصالحها السياسية والاقتصادية والعسكرية؟!
في مارس (آذار) 2016 اتفقت الولايات المتحدة وروسيا على تحديد موعد زمني لقيام النظام والمعارضة في سوريا بكتابة مسودة دستور جديد للبلاد، هذا الاتفاق لم يشر من قريب أو بعيد إلى أنه يتم بهذه الطريقة التي تتناقض مع أبسط المبادئ والأعراف الدبلوماسية، فصياغة الدستور السوري من قبل أي طرف خارجي لا يساهم في حل الأزمة التي ربما ترى بصيصًا من النور في آستانة، بقدر ما يعقد المباحثات التي عادت إليها بعض من الحياة، وبعيدًا عن كون موسكو تمثل نظام بشار الأسد بكل تفاصيله فإن تقديمها لمسودة الدستور هذه، حتى لو افترضنا جدلاً أنه سيكون أفضل دستور يمكن أن يكتب ويناسب سوريا، فهو يعد انتكاسة للموقف الروسي الذي يسعى لترويج نفسه بأنه قوة عظمى قادرة على جمع الأطراف السورية على طاولة المباحثات السياسية، ومن ثم إنجاح هذه المباحثات والوصول إلى سلام دائم وهو هدف سامٍ، لكن بالتأكيد صياغة دستور سوري بأيدٍ خارجية، يعد مؤشرًا واضحًا على رغبة موسكو الحقيقية في حل الأزمة السورية وفقًا لمصالحها ومصالح النظام، والتي قطعًا لن تكون من نفس الزاوية التي ينظر إليها جميع السوريين إلى بلادهم.
وبعيدًا عن التسريبات التي ذهبت إلى أن الصياغة الروسية للدستور المقترح شطبت كلمة العربية في المادة الأولى، بحيث تصبح «الجمهورية السورية» بدلاً من «الجمهورية العربية السورية»، فإن مبدأ كتابة الدستور السوري من غير أبناء الشعب السوري، يدلل على أن «موسكو لا تحترم الدولة السورية»، وهو نفس التعبير الذي استخدمه مصدر روسي منتصف العام الماضي نافيًا أن تكون بلاده قدمت مشروع دستور إلى سوريا، فهل عودة موسكو وتقديمها لهذا الدستور تأكيد منها بعدم احترامها لسوريا والسوريين؟!
يبدو ليس كذلك فقط وإنما يظهر روسيا غير جادة في تقديم نفسها كطرف محايد بين النظام والمعارضة... وهي كذلك.