تحيي مصر اليوم الذكرى السادسة لثورة 25 يناير، والتي أطاحت بنظام الرئيس الأسبق حسني مبارك، بعد ثلاثة عقود من الحكم، لتكون الحلقة الثانية في سلسلة ثورات ما عرف باسم "الربيع العربي"، والتي انطلقت شرارتها في تونس بديسمبر (كانون الأول) 2010 لتطيح بنظام الرئيس زين العابدين بن علي، قبل أن تصل إلى سوريا واليمن وليبيا. 


والآن بعد مرور ست سنوات، يقف كثيرون ليتساءلوا هل حقق الربيع العربي أهدافه السامية من حرية وديمقراطية وعدالة اجتماعية مثلما هتف المتظاهرون في ميدان التحرير بالقاهرة على مدار 18 يوما؟

وفي ذكرى كل ثورة من الربيع العربي، يغلب على المشهد السياسي استعادة ذكريات ثورة وأحلام لم يكتب لها الحياة حتى كادت تتحول إلى كوابيس بسبب ما أسفرت عنه من تدهور اقتصادي (كما في الحالتين المصرية والتونسية)، وظهور جماعات متطرفة لم يكن لها وجود من قبل (كما في الحالتين الليبية والسورية) ليخيم شبح التقسيم على البلدين.

وقالت الأمم المتحدة في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي إن هذه الثورات تسببت بخسائر لمنطقة الشرق الأوسط بلغت 614 مليار دولار أميركي، والتي تشكل تراجع الناتج المحلي الإجمالي للمنطقة بنسبة 6 في المائة بين اعوام 2011 و2015.

كما لفت التقرير الصادر عن اللجنة الاقتصادية والاجتماعية لغرب آسيا "إسكوا" التابع للأمم المتحدة، إلى أن تأثير الربيع العربي لم يتوقف عند حدود الدول التي شهدت الاحتجاجات وإنما امتد إلى دول أخرى تأثرت باستقبال اللاجئين وحرمانها من التحويلات المالية وتراجع عائدات السياحة.

وفي نهاية 2015، أكد تقرير للمنتدى الاستراتيجي العربي، أن تكلفة "الربيع العربي" بلغت أكثر من 833 مليار دولار أميركي، تشمل خسائر إعادة البناء والناتج المحلي والسياحة وأسواق الأسهم والاستثمارات، بالإضافة إلى إيواء اللاجئين.

وفي مصر وتونس واللتين تعمدان في دخلهما القومي بشكل أساسي على عائدات السياحة، كان الانهيار الاقتصادي أبرز ما تمخض عنه الربيع العربي في هذين البلدين والذي حمل معه أعمال عنف واضطرابات أمنية؛ حيث نفذ تنظيم "داعش" عمليات قتلت العشرات من رجال الشرطة في مصر، وبخاصة في شمال سيناء في أعقاب الإطاحة بأول رئيس بعد الثورة محمد مرسي المنتمي لجماعة الإخوان المسلمين، وكذلك العديد من العمليات الإرهابية التي استهدفت سائحين أجانب في تونس وكانت على أشدها في العام 2015 هجوم سوسة ومتحف باردو، ما أسفر عن عشرات القتلى.

كما هوى الاحتياطي المصري من النقد الأجنبي من 36 مليار دولار في يناير (كانون الثاني) 2011 إلى 18.1 مليار في يناير 2012 ، ثم في الشهر ذاته من عام 2013 ، لكنه عاود الارتفاع ووصل إلى 19 مليارا في سبتمر (أيلول) الماضي.

وكانت ليبيا وسوريا الأكثر تضررا من حيث وحدة واستقرار أراضيهما، بسيطرة جماعات متطرفة على مساحات شاسعة من أراضيهما، كما برز نجم تنظيم "داعش" المتطرف، بإعلان الخلافة ومبايعة أبوبكر البغدادي في يونيو (حزيران) 2014 في مدينة الرقة السورية قبل أن يمتد إلى داخل العراق ويسيطر على عدد من المحافظات، والتي طرد منها مؤخرا مع استمرار عملية تحرير الموصل التي ينفذها الجيش العراقي وأثمرت عن تحرير شرق المدينة.

وفي ليبيا، كان "داعش" موجودا في درنة شرق البلاد والتي طرد منها، لكنه تمكن من السيطرة على مدينة سرت، 450 كلم شرق العاصمة طرابلس والمطلة على البحر المتوسط ومسقط رأس القذافي، والتي تم تحريرها في عملية البنيان المرصوص التي نفذتها قوات موالية لحكومة الوفاق الوطني المدعومة دوليا وبضربات جوية نفذتها الولايات المتحدة الأميركية.

يمنيًّا، أطاحت ثورة فبراير (شباط) 2011 بحكم على عبد الله صالح، والذي تحالف مع الحوثيين للانقلاب على النظام الشرعي، ما أسفر عن مقتل الكثير من الأبرياء من أبناء الشعب اليمني، ودفع المملكة العربية السعودية لقيادة تحالف عسكري عربي لإعادة الشرعية إلى اليمن في عملية "عاصفة الحزم"، والتي يوما بعد يوم تؤتي ثمارها في انحسار سيطرة المخلوع والحوثي على مناطق متفرقة باليمن، ولعل آخرها ميناء المخا الاستراتيجي على البحر الأحمر.