سمير عطا الله

 لم يكن بيل غيتس رائداً في علوم التكنولوجيا فقط، بل كانت ريادته الكبرى في علم الإنسانية عندما قرر تخصيص جزء كبير من ثروته لمساعدة المحتاجين حول العالم. وشجعت هذه المبادرة أقرانه من أغنياء أميركا، فاندفع وارن بافت يقدم الجزء الأكبر من أمواله، ولا يترك لكل ولد من أبنائه إلا «بضع مئات من الألوف» لأنها أكثر من كافية لحياة مريحة. وانضم إلى مؤسسة غيتس عند قيامها 400 ثري أميركي تبرعوا بأجزاء كبيرة لها، ولا أعرف كم أصبح عددهم الآن.


ما هو موقف أي إنسان في أي مكان، من بادرة غيتس ومؤسسته؟ طبعاً التقدير. لكن الأستاذ في جامعة برنستون، بيتر سنغر، له رؤية أخرى وهي أن في إمكان غيتس أن يؤمن الطعام للمزيد من الجائعين: بدل أن يعيش في منزل قيمته 100 مليون دولار، لماذا ليس في منزل هائل الفخامة ثمنه 50 أو 25 مليوناً؟ ثم إنه برغم التبرعات، لا يزال غيتس يظهر كل عام على لائحة الأكثر غنى في العالم، أي أن ثروته تتزايد، فيما نسبة التبرعات باقية كما هي. ومن بين مقتنياته المخطوطة الوحيدة الباقية بخط ليوناردو دافنشي، والتي دفع ثمنها العام 1994 نحو 30 مليون دولار. أليس من الأفضل أن يبيعها لأحد المتاحف ويطعم بثمنها آلاف الجائعين؟

ولكن من هم الأكثر طمعاً: غيتس ورفاقه أم الذين يطالبونهم بالمزيد من التبرع؟ كان العملاق الراحل مصطفى أمين يحول زاويته في «الشرق الأوسط» إلى منبر لمبرته «ليلة القدر»، ينشر فيها أسماء الخيِّرين وحجم التبرعات. وقد حزنت على غيابه لأسباب كثيرة، لكن منها أن مؤسسته الخيرية سوف تغيب معه. وقد فوجئت، منذ فترة، المفاجأة الحسنة عندما قرأت ما كتبته كريمته صفية عن استمرار أعمال المؤسسة وتوسعها.

شقاؤه كثير هذا العالم. كنت قد قرأت دراسة بيتر سنغر قبل سنوات. وقد عدت إليها هذا الصباح وأنا أقرأ في حزن شديد في «النهار»، رسالة مفتوحة من الزميل عقل العويط إلى الرئيس ميشال عون، يطلب منه مساعدة الممثلة المسرحية رينه ديك «لأنها تكاد تموت جوعاً».

مرعب الفقر، في أي مكان. لكن الله يبعث الرحمة في القلوب الرحيمة. ويهوّن على البشر مشاهد الشقاء. أما الشقاء في موضعه فعذاب وهوان. وأضم توقيعي إلى توقيع الزميل الشاعر عقل العويط في كتاب إلى الرئيس عون.