خليفة علي السويدي

 الإرهاب أزمة تاريخية متأصلة في الإنسانية، فتاريخ الأمم والشعوب يؤكد وجود بذور الإرهاب في كل الملل والنحل، لكن هذه البذور تبقى مدفونة في ذاكرة الأمم الزمنية حتى تسقى جذورها عبر قنوات خفية في جل الحالات فتدب فيها الحياة، وتكون نبتة خبيثة تهلك بسببها ما حولها من بشر وتدمر ما بناه الإنسان من حجر، ملخص الإرهاب في عبارة الإفساد في الأرض. 

دعوني أولاً أسوق لكم بعض الأرقام المؤرقة ففي تقرير عن الإرهاب نشرته الNewsweek: (شركة «IHS Markit» ومقرها لندن، تقول إن عدد قتلى العمليات الإرهابية في النصف الأول من 2017 بلغ 10.325 شخصاً، بينما كان العدد 13.025 شخصاً في النصف الثاني من 2016، بانخفاض نسبته 20%، لكن عدد الهجمات انخفض بنسبة 1% فقط، إذ شهد النصف الأول من العام الحالي 13.068 هجوماً، مقابل 13.204 هجمات من يوليو حتى ديسمبر 2016. وارتفع عدد الهجمات التي نفذها «داعش» بنسبة 38%، بمجموع 2962 هجوماً، لكن عدد قتلاها المدنيين تراجع بنسبة 17%). وفي المجال نفسه نشر موقع «New York Post»:دراسة أميركية أعدتها جامعة «ماريلاند» تؤكد أن تنظيم «داعش»، ظل أكثر التنظيمات المتشددة دموية على مستوى العالم في عام 2016. وأفادت قاعدة بيانات الإرهاب العالمي بالجامعة أن «داعش»، نفذ أكثر من 1400 هجوم العام الماضي، وقتل أكثر من سبعة آلاف شخص بزيادة بنحو 20% مقارنة بعام 2015. وجاءت الزيادة على الرغم من تراجع إجمالي عدد هجمات المتشددين على مستوى العالم وعدد الوفيات الناتجة عنها بنحو 10% في عام 2016..الأرقام جداً مؤرقة مع ملاحظة أنها تمحورت حول «داعش»، ولو أضفنا إلى ذلك الجماعات الإرهابية الأخرى، لأدركنا خطورة الحياة التي نحن بصددها، لكن السؤال يبقى من يغذي هذه العمليات؟

مجلة «The New Yorker» تقول في تقريرها، (إن خبراء الإرهاب حددوا طرقاً يزدهر من خلالها الإرهاب أو يخبو أو يموت، وأوضحت المجلة أن الجماعات المتطرفة من المرجح أن تنجح عندما تكون الأهداف محدودة أو يمكن تحقيقها، ولفت التقرير النظر إلى الحركات الإرهابية التي تتفاوض من أجل تحقيق أهداف سياسية، كما أشار التقرير إلى أن هناك حركات إرهابية أخرى تنهار في حال انهيار القوى القومية والسياسية الداعمة لها).. انتهى التقرير.

هناك بلاشك مصالح سياسية تغذي العمليات الإرهابية فمن خلفها دول أصبحت معروفة للعالم بأن لها يداً في جل العمليات الإرهابية. لكن بذور الإرهاب في حقيقتها بذور فكرية تتلخص في نظرة حزبية لدى البعض ملخصها أن الحياة لا تتسع إلا لهم، وينبغي أن تكون وفق نهجهم، ففي تحليل الألمان لظاهرة التطرف ونقلا عن إذاعة ألمانيا الدولية «دويتش فيله»: (أن هيئة حماية الدستور في ألمانيا ذكرت أن الأجهزة الأمنية الألمانية تُقدر عدد الناشطين السلفيين بنحو 10 آلاف و300 شخص، ما يؤكد التنامي المطرد لهذه المجموعة التي كان يقدر عددها عام 2011 بنحو 3800، قبل أن تصل إلى 8300 عام 2015 لتتجاوز 10 آلاف خلال يونيو الماضي. وتراقب السلطات الأمنية هذا التطور بقلق بالغ، حيث تعتبر السلفية أرضية خصبة للتطرف والإرهاب. ويقدر عدد الناشطين الإسلامويين بألمانيا بنحو 24 ألفاً، منهم نحو 1800 يُصنَّفون كعناصر خطرة).

أرجو ملاحظة أن كلمة السلفية في التقارير الأوروبية لا يُقصد بها العودة للأصل، لكنها تعني قمة العنصرية والحزبية الفكرية ذات المرجعية الدينية. هذه الدراسات ورغم أنها تتعاطى مع المجتمع الغربي، بيد أن نفس المِحنة نتعرض لها في المجتمع العربي عندما يتنامى مثل هذا التفكير في مجتمعاتنا.