سمير عطا الله

 من أشهر أسماء المعارك في الحرب العالمية الثانية، وربما في التاريخ، معركة العلمين في مصر، وطبرق وبير حكيم في ليبيا. خاض المعارك الثلاث من الجانب الألماني، المارشال إريك روميل، العسكري الذي احترمه أعداؤه أكثر من حلفائه، ومن الجانب البريطاني، ثلاثة جنرالات آخرهم مونتغمري، والجنرال الفرنسي كوننغ في بير حكيم. لو ربح روميل العلمين لأكمل الطريق نحو مصر، ثم النفط. لذلك، حاول الحلفاء تأخيره في طبرق وبير حكيم قبل الوصول إلى العلمين، ونشروا في بير حكيم ألوف الألغام، العدد الأكبر في التاريخ، ولا تزال هذه الألغام قائمة حتى الآن.

«خلدت» فرنسا بير حكيم بإطلاق اسمها على أحد أهم الأحياء ومحطات المترو في باريس، التي يعبر بها الألوف كل يوم. وبقيت بير حكيم الأصلية منطقة زراعية للرعي، ويحيط بها رعب الألغام. وتحولت طبرق إلى مدينة صغيرة ليس فيها شيء من معالم المدن الحديثة. وأما العلمين، فبلدة دون عشرة آلاف نسمة.
ما من قارئ أو كاتب أو سامع تاريخ في العالم، إلا ويتمنى زيارة هذه المواقع، إذا استطاع. كان في إمكان مصر أن تحول العلمين إلى مزار إثري تاريخي، ربما لا يقل شعبية عن أسوان. وكان في إمكان ليبيا أن تحول طبرق إلى مدينة يقوم بزيارتها ألوف الألمان والبريطانيين والأستراليين والفرنسيين والهنود والآيرلنديين ممن قاتلوا هناك.
ثلاثة من أشهر أسماء الحرب العالمية الثانية أحيلت على المحافظ أو رئيس البلدية. وقد يقول معترض، ونحن ما لنا؟ فقد كانت تلك حرب المحور والحلفاء. صحيح. لكنها كانت حرباً فوق أرض عربية وعليها وعلى ثرواتها وسيادتها ومستقبلها. لا ننسى أن الملك فاروق كان في القاهرة يتتبع أخبار القتال منتظراً أن يسمع خبر انتصار روميل والمحور، وهزيمة الإنجليز.
هذه المواقع الثلاثة - وغيرها - جزء من تاريخ المنطقة التي تحررت فيما بعد من كونها ساحة معركة بين المتقاتلين. تدرَّس معركة العلمين في جامعات العالم (وكذلك بير حكيم) على أنها مثال للدهاء العسكري الاستراتيجي. لا أعرف مدى إفادة الجيوش العربية من معركة خاضها أهم جنرالات ومارشالات الغرب على أراضينا. ولا نعرف كم مرة نظمت القيادات رحلات لطلاب المدارس الحربية إلى هذه المواقع. لكن العلمين، أو طبرق، أو بير حكيم، كانت عبارة عن «مختبر» مجاني يمكن تحويله إلى معهد دائم. وإلى مركز يدعى إلى إلقاء المحاضرات فيه أساتذة العلوم العسكرية الألمان والبريطانيون والفرنسيون. لا يمكن أن يكون كل هذا حدث عندنا، ونحن نعتبر أن لا شأن لنا في الأمر.