سعيد الحمد

 مرةً أخرى نتصفّح موقف محمد حسنين هيكل الصحفي الذي حاز مكانة ومساحة واسعة امتدت لعقودٍ وعقود ظل فيها «أسطورة» الصحافة التي صنعتها حتى «قدستها» وتلك كارثتنا مع الأساطير التي نصنعها ثم لا نستطيع لها نقداً أو حتى مسّاً من بعيد فتتحكم الأسطورة فينا ونظل نحرق البخور في معبدها.
ولعلّ هيكل كان كذلك لعقود لا يستطيع أحد الاقتراب من معبده بملاحظة عابرة درءًا لما قد ينهال عليه من أحجار وغبار من المريدين والدراويش المحيطين بمعبد هيكل، فهو كاهن الصحافة المصرية لسنوات امتدت حتى شاخ الكاهن بفعل الزمن وراح يهرف بما لا يعرف في وقت تاريخي حرج ودقيق يحتاج أول ما يحتاج الى يقظة ذهن واتقاد عقل وسرعة ملاحظة، ما كانت لتكون لهيكل كاهن الكهان وقد بلغ من العمر عتياً.
وليت هيكل اكتفى بما حصل عليه من شهرة ومكانة وانسحب حين أعلن ذلك قبل ما يقرب من العشرين عاماً لكنه وقد اغراه ما لاح وما لوّح له من صكوك مالية وشيكات على بياض، رأى فيها ما يراه النائم من أحلام عظيمة، فاتجه نحوها ليكون ما كان.
مجدي الجلاد صحفي مصري شاب رأس تحرير اليوم السابع وقدم العديد من البرامج وهو أحد تلاميذ هيكل وأحد المحيطين بمعبده، هاله ما هال الصحفيين الشباب من زملائه أن يظهر هيكل في الجزيرة ليقول ما يقول على مدى حلقاتٍ وحلقات، والجزيرة معروفة مواقفها السيئة والمناهضة لوطنه مصر، فأقنعه بترتيب مسبق على أن يظهر في قناة مصرية خاصة ستدفع له أتعاباً تعادل أتعاب الجزيرة وليظهر على شاشة مصرية صميمة أفضل من ظهوره على الجزيرة.
وبعد تفاوض شمل الأتعاب وغير الأتعاب ظهر هيكل في شيخوخة تسعينية تحتفظ بذاكرة هيكيلة خاصة «ان صحت التسمية» فتتذكر ما تريد ان تتذكر لتوظفه كما تريد أن توظفه، وهذا شأن صاحب الذاكرة، لو أنه راح يغمز ثم يلمز ثم يصرح ثم يوضح بموقف مضادٍ لدول مجلس التعاون الخليجي «ما عدا قطر طبعاً» وينال من هذه الدول ما شاء له أن ينال حتى اصطف جهاراً مع دوار العار وأصحابه المارقين..!!
ثم استدار دورة كاملة مضادة على الرئيس السابق حسني مبارك ونال منه يطريقة ستبدو ثأرية وقد فقد الرجل منصبه وخرج الى الظل، وهو ما لا تفعله اخلاق فرسان الصحافة، فكيف فعله كاهنها الأوحد.
ثم خرج مجدي الجلاد الذي تفاوض مخلصًا لظهور هيكل على الشاشات المصرية بدلاً من الجزيرة، ليكذب رواية لهيكل رواها جهاراً نهاراً من الشاشة المصرية حين زعم أن أولاده لا يعرفون ولاعلاقة لهم بأبناء مبارك.
وقدّم الجلاد وصحفيون آخرون كانوا من مريدي هيكل كالصحفي المعروف عادل حمودة الأدلة الدامغة والروايات المؤكدة والموثقة على العلاقة القوية والمصالح المشتركة استثمارياً بين ابناء هيكل وابناء مبارك، ما دفع أحد أبناء هيكل للهروب خارج مصر حتى لا تطاله التحقيقات الجنائية.
فلماذا سمح الكاهن الكبير للزمن أن يدحرجه خارج المعبد الذي احتله عقوداً بهكذا أسلوب بدا فيه الكاهن ظل رجل وقد كان ملء الاسماع والابصار.
فهل فعلها هيكل لأنه كان بحاجةٍ الى مزيدٍ من الأموال؟؟ لا نعتقد وهو يقترب من المئة عام وأبناؤه رجال اعمال ومال بارزون، اذن لماذا فعلها وعاد؟؟
إنها ثقافة الانتقام وهو بريق الاعلام، ثنائيتان خطيرتان اذا اقتربا من فرد وفتح له طريق بينهما للمرور والصعود فأخذتاه الى ما أخذتا إليه كاهن الصحافة الأعظم محمد حسنين هيكل رحمه الله والذي اسقط قناعه عن قناعه وهو يقترب من نهاية العمر، وتلك عبرة لمن يعتبر.