حمد العامر

 استخدمت القوى الكبرى «الطائفية» كركن أساسي لنجاح خطة (الفوضى الخلاقة) عبر إلغاء حالة التسامح

يعيش العالم حالة رعب غير مسبوقة في التاريخ، فإلى جانب الرعب النووي الذي تقوده دول مارقة مثل كوريا الشمالية المستمرة في تحديها للمجتمع الدولي بإجراء التجارب لإنتاج صواريخ نووية بعيدة المدى قد تتسبب في حرب عالمية ثالثة، وإيران الماضية في دعمها للإرهاب وإجراء تجارب إنتاج صواريخ نووية عابرة للقارات رغم توقيعها للاتفاق النووي مع مجموعة (5+1) في (يوليو 2015م)، فهناك رعب آخر هو «الإرهاب» الذي انتشر في كل البقاع وتمدد بأسماء مختلفة وبرعاية العديد من الدول للمنظمات الإرهابية، ليتحول في السنوات الأخيرة من (إرهاب أفراد) وجماعات إلى (إرهاب دول)، استخدمته لتنفيذ أهدافها وتحقيق مطامعها في المنطقة تحت مسميات عديدة أشهرها (حماية حقوق الإنسان، والحفاظ على حرية الرأي والتعبير).
هدفت تلك الدول من رعايتها للإرهاب وتمويله وحماية أدواته إلى تحقيق التغيير المنشود وإسقاط الأنظمة العربية والخليجية وتشكيل (الشرق الأوسط الجديد) وفق خطة (الفوضى الخلاقة) المرسومة أمريكيا منذ (أبريل 2005م) كرد فعل مباشر لتدمير برجي التجارة العالمية في نيويورك في (11 سبتمبر 2001م).
ووجدت بعض القوى العالمية الكبرى كبريطانيا والولايات المتحدة في أراضي دولة قطر ملاذا آمنا للارهابيين وثروتها الطائلة ممولا لمخططاتها التآمرية على حلفائها وأصدقائها التاريخيين، خصوصا بعدما انقلب الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني على والده عام (1995م) بدعم أمريكي معروف واستولى على الحكم بالقوة وقام بتأسيس قناة الجزيرة وجعلها أداة أساسية لإدارة معركة تغيير أنظمة الحكم الخليجية والعربية، مثلما حدث في ليبيا التي تآمر مع رئيسها معمر القذافي لاغتيال الملك عبدالله بن عبدالعزيز وتهديد امن واستقرار المملكة العربية السعودية ثم تآمر عليه وأسقط نظامه كما أوضحت ذلك التسجيلات المسربة.
واستخدمت القوى الكبرى «الطائفية» كركن أساسي لنجاح خطة (الفوضى الخلاقة) عبر إلغاء حالة التسامح القائمة بين أطياف المجتمعات العربية ودعم الإرهاب السني والشيعي المتطرف كما هو في تنظيم داعش السني وتنظيم الحشد الشعبي الشيعي وحزب الله الإرهابي، وهذا ما حدث في مصر بدعم الإخوان المسلمين، وفي دول الخليج بشحن المواطنين الشيعة والسنة إعلاميا، إلى جانب الإنفاق الباذخ على البرامج الإخبارية الملفقة حول حقيقة ما يجري من أحداث، والأفلام الكاذبة المحرضة على الفتنة والانشقاق، وذلك كله بهدف تهيئة المسرح الدموي نحو التغيير المنشود.
وقامت قطر بتمويل مشروع الشر وحماية معاقل وتحصينات الجماعات الإرهابية كجبهة النصرة والجماعة الليبية المقاتلة وحركة حماس وجماعة الإخوان المسلمين الذين وفرت لهم المقر الصالح للتخطيط لعملياتها التخريبية في المنطقة العربية والتآمر على الأشقاء، واستغلال علماء تلك الجماعة لنشر الفتاوى المتطرفة وإضفاء الشرعية على الحروب الإرهابية والعمليات الانتحارية التي انتشرت في الوطن العربي من المحيط إلى الخليج بشكل لم يشهده التاريخ من قبل، لتتعدى قطر مرحلة دعم مختلف الفصائل الإرهابية والمتشددة على امتداد العالم إلى تنمية علاقاتها مع إسرائيل وإيران في موقف سياسي غريب.
ومن خلال المتابعة والقراءة الموضوعية في تفاصيل وأسرار الأحداث الإرهابية التي يمر بها العالم، فإن أهم الأسباب وراء عدم احترام دول مثل قطر وإيران وكوريا الشمالية لمبادئ ميثاق الأمم المتحدة وتماديها في الأعمال الإرهابية وتوجهاتها نحو التسلح النووي، هو فشل المنظمة في إدارة الأزمات الدولية ومعالجتها جذريا، والذي يتطلب - في نظري - الآتي:
• إصلاح (مجلس الأمن الدولي) ابتداء ليكون أكثر ديموقراطية وعدالة وتمثيلا لدول العالم، ويعبر عن موازين القوى الدولية التي تغيرت كثيرا منذ إنشاء منظمة الأمم المتحدة عام (1945م) بعد الحرب العالمية الثانية، فمجلس الأمن هو الذراع الأقوى للأمم المتحدة، والأداة الأبرز لتكريس هيمنة القوى العظمى على العالم وفرض إرادتها على دول العالم الثالث، ونتيجة لذلك تمحورت العديد من الدعوات - خصوصا التي طرحت من خارج الدول دائمة العضوية فيه- في المطالبة بتوسيع عضويته بشكل منصف ومناسب، حيث تغيب عن تشكيله الحالية القارة الأفريقية وأمريكا الجنوبية، وتمثل فيه قارة آسيا بشكل لا يتناسب مع حجمها السكاني مقارنة ببقية دول العالم.
• إعادة النظر في (حق النقض – الفيتو) الذي تتمتع به الدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن الدولي وهي (الولايات المتحدة الأمريكية، المملكة المتحدة، فرنسا، روسيا، والصين) وتستخدمه لرفض أي قرار قد يسهم في معالجة أزمات العالم حتى وإن كان مقبولا من الدول الأخرى، وهذا ما أدى إلى تعقيد واستمرار وتفاقم القضايا الدولية والإقليمية دون حلول عادلة، ومن أبرزها (القضية الفلسطينية والأزمة السورية)، ما يجعل الضرورة ملحة للوصول إلى صيغة جديدة متفق عليها لعضوية الدول في مجلس الأمن، تأخذ في الاعتبار المسيرة التاريخية للمجلس والأزمات التي خلقها منح الدول المنتصرة في الحرب العالمية الثانية نفسها حق الاعتراض على أي قرار يقدم للمجلس دون إبداء أسباب.
• إعادة هيكلة الأمم المتحدة، وإصلاح أمانتها العامة، واستحداث إجراءات صارمة لترشيد الإنفاق، وتحسين قدراتها على إدارة شؤونها باستقلالية وبعيدا عن توجيه الدول الكبرى..
إن عملية بناء السلام وحفظه على كافة المستويات خصوصا مع تعرض البشرية للعديد من المآسي والكوارث، وسقوط ملايين الضحايا نتيجة سوء النظام الدولي واستغلال الدول المارقة ذلك لتحقيق التغيير، يصبح من الضروري أن يواجه المجتمع الدولي نفسه ويواجه الدول المارقة باتخاذ إجراءات صارمة لوقف تهديد للسلم والأمن الدوليين من خلال:
• إيجاد آلية أممية حازمة لمعاقبة الدول الساعية إلى زعزعة الأمن والسلم الدوليين عبر تدخلها في الشؤون الداخلية للدول الأخرى، وإذكاءها للنزعات الطائفية بين الشعوب، وإدارتها وتمويلها للعمليات الإرهابية، لما يشكله ذلك من انتهاك صارخ لمبادئ الأمم المتحدة المعروفة.
• البحث عن الآليات الصحيحة للإصلاحات الديموقراطية والمشاركة الشعبية للحكم وحماية حقوق الإنسان في الدول من خلال تفاهمات واتفاقات تتماشى وظروف كل دولة.
• التوقف عن استغلال المنظمات الحقوقية لإحداث التغيير المنشود، خصوصا بعد أن أثبت الواقع حجم الكوارث المروعة التي تعرضت لها الشعوب بسبب سياسة التدخل في الشؤون الداخلية من خلال تلك المنظمات.
• معالجة الأزمات والقضايا السياسية المسببة لانعدام الأمن والاستقرار في العالم، والتي تأتي على رأسها قضية الصراع العربي الإسرائيلي والأزمة السورية والتدخلات الإيرانية في الشؤون الداخلية لمنطقة الشرق الأوسط.
• دعم الحكومات الشرعية في البلدان المتأثرة بالصراعات لتمكينها من مواجهة الجماعات الإرهابية وتحقيق الأمن والاستقرار لشعوبها.
إن إصلاح منظمة الأمم المتحدة بشكل عام ومجلس الأمن الدولي بشكل خاص هو إجراء استباقي لبناء أساس الدبلوماسية الوقائية الهادفة إلى منع تحول النزاعات المؤقتة إلى صراعات دائمة، لتتم بذلك حماية السلم الدولي والإقليمي وضمان عدم تطور الخلافات السياسية إلى نزاعات مسلحة بين الأطراف المختلفة.