سمير عطا الله

أعود من حين إلى آخر إلى موضوع الترجمة لأنها في اعتقادي مسألة شديدة الأهمية. وكالعادة، أراها تطورت وتقدمت في مكان، وراوحت في آخر، وتردَّت إهمالاً وجهلاً في أمكنة كثيرة. ويتبين دوماً أن العلّة الأولى هي جهل اللغة العربية نفسها، وليس عدم الإلمام باللغات المنقول عنها.

لا أريد التشهير، ولا الإرشاد، فأنا بعيد عنهما. لذلك، سوف أعطي بعض الأمثلة الحديثة من دون الإشارة إلى العمل أو إلى صاحبه، مثل «حيث سيتسبب لي نقاش مع أحد خفر الحدود من فقدان القطار»، والمقصود «أن يفوتني القطار».
مثل: «في الصباح الموالي»، وهو الصباح التالي، و«السيدة التي كانت توجد في لندن»، والأصح التي كانت في لندن. و«لا أنتعل سوى حذائي وسراويلي»، السراويل لا تُنتعل. و«ذلك أنها لم تكن تعرف سر موقفي الذي أوعزته إلى الكبرياء»، والمقصود «الذي عزته».
مثل: «ثم أخبرتني، أنت نحيف جداً ومتوتر»، والمقصود «قالت لي». و«ذات يوم بعد الغداء انبثق على حين غرة من الشارع»، والرجل يظهر فجأة، أما النور فهو الذي ينبثق، وليس الإنسان. ومثل: «على العاملين أن يمروا بحذاء قفص التذاكر»، وهم في الحقيقة يمرون بشباك التذاكر، لأن القفص لغير الإنسان.
مثال: «فهي ممثلة تعيش في الضاحية الشمالية من باريس». والمقصود «الضفة اليسرى»، لأن باريس مقسمة إلى ضفتين لنهر السين، يمنى ويسرى، أما ضواحيها ففي كل الجهات.
مثال: «كانت مزامير السيارات تزعق»، والواضح أنه يقصد «زمامير». و«دأب المسافرون على تناول طعامهم معاً على طاولة طويلة يوجد على رأسها قبطان الباخرة»، ولعله أراد القول: إنهم دأبوا على تناول طعامهم «إلى مائدة طويلة يجلس إلى رأسها». وهذا: «كلّي أمل في أن أسمع شيئاً من الحديث السري الذي منعت من حضوره»، المحادثة التي منعت من المشاركة فيها.
إنها كما ترى أخطاء بسيطة. وترجمة غير مهمة، وعمل ربما غير مهم أيضاً، لكن تعميم الخطأ خطأ كبير وغير مقبول، وهو بالدرجة الأولى خطأ الناشر، وكان مثل هذا الإهمال مقبولاً أيام كان النشر عملاً فردياً فقيراً، أما الآن، فالترجمة صناعة لا تقل أهمية عن الكتابة.