طيب تيزيني

 كثرت الأفكار والمشاريع التي تعلن عن الخراب والتخريب في العالم العربي، دونما حذر أو تحفظ، وربما دون مراعاة لمشاعر الناس. وأفكار كانت منبوذة وتمثل استثناءً سياسياً، ظهرت إلى العلن، مثل: التقسيم العرقي، والتهجير والتقسيم الطائفيين، إلخ. وهكذا راحت بعض الأصوات تهدد السوريين المهجَّرين إن رجعوا إلى وطنهم. وإلى ذلك راحت عملية التهجير القسري تفصح عن نفسها كمسألة تتصل بـ«ترتيب البيت الداخلي»، كما فقد الجيش الوطني كرامته مع دخول الميليشيا الخارجية ككيانات موازية لذلك الجيش، بل في حالات كثيرة كبديل عنه.

وبالتوازي مع ذلك ظهرت التدخلات المباشرة من دول أجنبية في الشأن الداخلي، بل تحول هذا التدخل إلى عمل عسكري واضح المعالم عبر القتل وتخريب حياة الناس، وعبر تدمير المستشفيات والمدارس وغيرها، على نحو يذكّر بمشروع «سايكس بيكو» الاستعماري.

ومن الطرائف المتصلة بمدينة حمص السورية أن بعض أبنائها المتهاونين مع المحتل الفرنسي، ذهبوا في عشرينيات القرن الماضي إلى بيروت لمقابلة المفوض السامي فيها بغية الشكوى إليه ممن اعتبروهم «المخرّبين الأشقياء» الذين حملوا السلاح ضد فرنسا، مطالبين بإنهائهم لأنهم يعيثون في البلد تخريباً، مع أنهم قلّة قليلة للغاية! ويتساءل هؤلاء أمام المفوض الفرنسي حول ما إذا كانت فرنسا عاجزة عن فعل ذلك، وهي التي ربحت الحرب على ألمانيا؟! فيجيب المفوض بأن من تعتبرونهم قِلّة قليلة هم في الواقع ألوف عديدة، بل إن مدينتكم كلها تقريباً تقاتلنا.

تلك هي المسألة الأولى، والتي لها تفاصيل ليس في المدينة المذكورة فحسب، وإنما في الوطن كله، أما المسألة الثانية فتظهر بعنوان «الانفصال»، وقصة ذلك تذكّر بما حدث قبل عقود، حيث حدث انفصال سوريا عن مصر، وحيث كانت هناك وحدة بين القطرين اللذين حققا دولة واحدة تحت اسم «الجمهورية العربية المتحدة».

ويجيء اليوم باستفتاء انفصال كردستان عن العراق، لتشكل محوراً جديداً قديماً من محاور التجزئة والتشطير.

أما الأسباب وراء الانفصال الأول فسوف نواجهها في الانفصال الحالي، إنها غياب الحكم الوطني الديمقراطي، بما يوفره من أسباب كافية للاستمرار في سياق التطوير، والالتزام بالديمقراطية، بما في ذلك مبادئ التداول السلمي للسلطة، والعدالة، والحرية، ومشاريع التطوير والتحديث، وتفكيك الطائفية، ومحاربة الفساد الذي يلتهم الأخضر واليابس، وبتعبير آخر يمكن القول إن الاستبداد الرباعي في العالم العربي، والذي سمح بظهور مجموعات انقلابية (في اليمن مثلاً)، يتقوى الآن بوجود أنظمة طائفية (في إيران مثلاً).

وفي هذا المحور يبرز تشطير المشطّر في العالم العربي، مع منظمة قومية جامعة عديمة الفاعلية (الجامعة العربية)، مما يسهم في ترك بعض الأقطار العربية فريسة لمشكلاتها الداخلية وللتدخلات الخارجية فيها.

وهكذا تظل أمور العالم العربي تسير وفقاً لقانون التخلف والتخليف، إنها المأساة التي تحتاج إلى إعادة تفكيك، كشرط لإعادة بناء العالم العربي، وعلى نحو ما ينبغي فعله في العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين دون تأخير، لمنع مزيد من التفكك والتشظي في جسم العالم العربي.