حسين شبكشي

 يبدو أن العالم يعيش ظاهرة الاستفتاء، فهي على ما يبدو «طبق اليوم» السياسي ونكهة الشهد أيضا. عناوين الأخبار تعج بالجديد والمثير عن استفتاء هنا واستفتاء هناك ولكل تبعاته. بالأمس عاش العالم على أعصابه مع استفتاء اسكوتلندا على استقلالها، وقبل ذلك كان العالم يتابع تداعيات استفتاء جنوب السودان، الذي أسفر عن استقلاله بعد ذلك.

واليوم يتابع العالم بقلق وترقب تداعيات الاستفتاء في كل من كردستان بالعراق وكاتالونيا في إسبانيا، وبناء على النتائج سيظهر حراك مشابه لذلك في اسكوتلندا مجددا، وبعد ذلك في إقليم كيبك بكندا، وكذلك الأمر في إقليم الباسك الواقع بين إسبانيا وفرنسا.
الربيع العربي تلك الظاهرة الفوضوية بامتياز، التي انطلقت من خلال الفضاء الإلكتروني ومواقع التواصل الاجتماعي كان العالم العربي فيها هو حقل التجارب لما هو أكبر. فالفوضى الخلاقة التي أعلنتها ذات يوم كوندوليزا رايس وزيرة الخارجية الأميركية السابقة لم يكن المقصود بها العالم العربي فقط، وهذه النقطة هي ما فطن ووعى إليه كل من أجهزة الأمن في روسيا والصين، وهما دولتان لديهما كثير من الولايات ومن الأقاليم المعبأة بالنزعات الانفصالية والرغبات في الاستقلال.
في الصين هناك منطقة التبت وهناك أيضا منطقة تركمانستان الشرقية، في روسيا هناك أيضا مناطق على هذا النحو. ولذلك قامت الأجهزة الأمنية بمنع مواقع التواصل الاجتماعي ووضعها تحت رقابة شديدة، وأدركت أنهما المستهدفان من حراك الربيع العربي وأنهما الجائزة الكبرى بعد فوضى الشرق الأوسط. وبالتالي كان التعاطي مع «فيسبوك» و«تويتر» على هذا النحو.
الاستفتاء هو الغطاء الجديد للحروب المؤثرة والفعالة، دولة يزعجك نفوذها وحجمها، ما عليك إلا اللعب على وتر الأقليات، وبدلا من إرسال قوات لمساعدتهم على «الاستقلال» اجعلهم «يستفتون» على حق «تقرير المصير»، ويستفيد العالم من خريطة جديدة وعلم جديد ودولة جديدة.
هناك كثير من الوقائع حول العالم تؤكد أن إعادة رسم الخرائط مسألة متواصلة ولا تتغير عبر الأزمنة. ما حدث في يوغسلافيا وفي أفريقيا بشكل مستمر والاتحاد السوفياتي يذكرنا أن الجغرافيا تتغير، ولكن التاريخ مدرسة.
هناك دول كبيرة و«تقليدية» في طريقها للتغير، مثل فرنسا وإسبانيا وبريطانيا والهند والمكسيك على سبيل المثال لا الحصر، والأداة الجديدة هي الاستفتاء، فهي أكثر أناقة وإمتاعا من الرصاص والبارود.