محمد السلمي

ذهبت أحلام الشباب الإيراني الذي احتفل بتوقيع الاتفاق النووي أدراج الرياح، فلم ينعكس أي تحسن في الدخل الحكومي ورفع العقوبات على حياته المعيشية

للعام الرابع على التوالي تصنف إيران في المركز الأول ضمن 146 دولة في العالم في قائمة جرائم غسل الأموال وتمويل الإرهاب، ولهذا التصنيف انعكاسات جادة على أمن واستقرار المنطقة العربية، وحتى على مستوى معيشة الشعب الإيراني نفسه. 
بداية صنف معهد بازل السويسري للحوكمة إيران مؤخرا بالدولة الأولى عالميا في جرائم غسل الأموال وتمويل الإرهاب باستخدام هذه الأموال، متفوقة في ذلك على كوريا الشمالية وأفغانستان، ولكي تتم الجريمة الأولى المتعلقة بغسل الأموال لا بد من وجود شبكة من الأعمال المالية غير الشرعية، يندرج تحتها التهريب بأنواعه كافة وتجارة السلاح والمخدرات، ثم تُدخل الأموال الناتجة عن هذه العمليات إلى القطاع المصرفي لكي تكتسب الصورة والغطاء الشرعيّيْن، ثم تُرتكب الجريمة الثانية وهي استخدام الأموال في تمويل الأعمال المتعلقة بالإرهاب الإيراني في المنطقة العربية، الذي يحتاج بدوره إلى معاونة وتستّر شبكة من الفساد في القطاع المصرفي.
إن الانعكاس الأهمّ والأخطر لتصنيف إيران الأخير والمتكرر للسنة الرابعة، على أمن واستقرار المنطقة العربية، هو أن إيران تحشد كل ما يمكن حشده من موارد مالية، شرعية كانت أو غير شرعية، لتطويق المنطقة العربية وتحقيق الهلال الشيعي بصبغته الفارسية. 
إن تمويل الإرهاب يحتاج إلى مصادر مالية ضخمة بعشرات وربما مئات المليارات من الدولارات، لن يوفرها الشكل الشرعي وحده، المتمثل في حصة الدفاع من الموازنة الحكومية، وفي ظل ارتباط الإرهاب العسكري خارج الحدود الإيرانية بالحرس الثوري الإيراني، ممثلا في فيلق القدس، فلا عجب إذًا من وجود صلة بين جرائم غسل الأموال والحرس الثوري، فالأخير يسيطر على عديد من المنافذ البرية والبحرية والجوية في إيران، ومتورط في عمليات تهريب البضائع والأسلحة، كما يسيطر على عديد من المصارف الكبرى في إيران، ومن ثم أصبحت أركان عمليات غسل الأموال وتمويل الإرهاب متاحة.
أما الموارد المالية الشرعية فتأتي عن طريق الموازنة الحكومية التي زادت مخصصات الدفاع ورفعت ميزانية الحرس الثوري بنسبة تقارب الثلث. معنى هذا أن إيران مستمرة في حشد الأموال بأي طريقة، بغض النظر عن مصدرها لتحقيق أهدافها خارج الحدود، كما أن تعاون المجتمع الدولي معها دون وضع حدّ لجرائمها خارج حدودها ودون ضوابط صارمة لحصار مموّلي الإرهاب، يزيد والاقتدار المالي لديها واستخدامه في تهديد استقرار شعوب المنطقة. وهذا يستدعي مزيدا من الجهود العربية المشتركة على هدف واحد هو مواجهة الخطر الذي يتمدد يوما بعد يوم في المنطقة عبر أذرع بأسماء مختلفة، وتسخير جميع القوى باختلاف أنواعها لحصار هذا التمدد.
أما الانعكاس على الإيرانيين أنفسهم فيعني هذا التصنيف بشأنه كثيرا مما لا تسعه سطور هذا المقال، فبعد تغيير رأس السلطة -لا القيادة- السياسية من قائد ينتمي إلى ما يسمى بالمتشددين (أحمدي نجاد)، إلى سياسي محسوب على ما يعرف بالإصلاحيين (حسن روحاني)، لا تزال إيران الراعية الأولى للإرهاب وجرائم الأموال، بمعنى آخر لا فرق كبيرا بين سياسي متشدد وسياسي إصلاحي، وتوجد سياسة وتوجه أكبر من سلطة الرئيس التنفيذي ماضية في تحقيق أهدافها الكبرى، وبعد أكثر من عام وتسعة أشهر على تنفيذ الاتفاق النووي الذي كان يسوق له القادة الإيرانيون على أنه طوق النجاة للاقتصاد الإيراني ولتحسين مستوى معيشة الإيرانيين، يأتي هذا التصنيف ليقول للمستثمرين والمتعاملين ماليا مع إيران: «توخوا الحذر الشديد وتنبهوا قبل التورط مع شركة إيرانية قد تكون في العلن شريكا استثماريا محتملا، وفي الخفاء مجرد ستار شرعي لشركة تابعة للحرس الثوري أو كيان يمول عملياته خارج إيران، مما قد يوقع الشركات الأجنبية تحت طائلة الغرامات المالية الأميركية».
وبناء على ما تقدم، ماذا جنى الإيرانيون اقتصاديا، وماذا لم يجنوا حتى الآن؟ جنى النظام الإيراني مضاعفة صادراته النفطية بعد الاتفاق النووي وزيادة موارد الحكومة المالية، ولكن لم يجن الشعب الإيراني أثر هذا على تخفيض مستويات البطالة والفقر المرتفعة، ونما الاقتصاد الإيراني بمعدل أقل من 2% العام الماضي، دون احتساب النمو النفطي الذي يتركز فيه أغلب النمو دون باقي القطاعات. إن استمرار أنشطة إيران في تمويل الإرهاب وتصدرها قوائم التقارير الدولية في ذات الشأن جعل الشركات الأجنبية تحذر الدخول والانتشار في السوق الإيرانية في عديد من المجالات غير النفطية المتعطشة للاستثمارات الحديثة لزيادة الإنتاج والتشغيل وتحسين جودة حياة الإيرانيين. لقد ذهبت أحلام الشباب الإيراني الذي احتفل بتوقيع الاتفاق النووي أدراج الرياح، فلم ينعكس أي تحسن في الدخل الحكومي ورفع العقوبات على حياته المعيشية، وجنى النظام الثمرة لتمريرها للميليشيات في الخارج، بينما نصب الشعب يتضور جوعا.