كيريل دميتريف

 كان الاتحاد السوفياتي السابق قد اعترف رسمياً بسيادة المملكة العربية السعودية في عام 1926. ولقد أرسى هذا الإعلان ركائز العلاقات الطيبة الدائمة التي جمعت بين البلدين. وفي عام 2007. قام الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بأولى زياراته الرسمية إلى السعودية. وهذه المرة، يقوم خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز بزيارة مهمة إلى روسيا. وهي أول زيارة رسمية يقوم بها عاهل للمملكة العربية السعودية إلى البلاد.

ويمنح هذا الحدث التاريخي الكبير زخماً إضافياً إلى العلاقات الثنائية الراسخة والتي سبق أن أرست دعائمها حكومتا البلدين من قبل سعياً وراء السياسات المشتركة، فضلا عن إقامة مشاريع الطاقة والاستثمار الكبيرة. ويأتي ذلك أيضا في وقت تتزايد فيه أواصر التعاون الاقتصادي بين السعودية وروسيا، مع توقع إبرام عدد من الاتفاقيات المهمة والملزمة خلال الزيارة.

وبعد سنوات من الحوار المشترك البناء والاتفاقيات المبرمة والناجحة بين أبرز منتجين للنفط في العالم، تتفق كل من روسيا والسعودية على المناهج المشتركة إزاء سلسلة من التحديات السياسية والاقتصادية العالمية الرئيسية. وعلى نحو مماثل، فهناك إمكانات كبيرة للتعاون بين البلدين في مجالات الطاقة والثقافة. وفي عام 2015، ونتيجة لزيارة ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان إلى روسيا ولقائه مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في المنتدى الاقتصادي الدولي المنعقد في مدينة سان بطرسبرغ، فإن صندوق الاستثمار الروسي المباشر قد أبرم شراكة بالغة الأهمية مع صندوق الاستثمار العام في السعودية، ما يعكس التزاما باستثمار 10 مليارات دولار في المشاريع الروسية -وهو أكبر التزام استثماري للمشاريع الكبرى في روسيا حتى اليوم. وبموجب اتفاقية الشراكة المذكورة، سوف تركز كل من روسيا والسعودية على الاستثمار المشترك في المجال الزراعي، والدوائي، والتجزئة، والخدمات اللوجيستية، والعقارات، من خلال مشاريع يجري تنفيذها على فترة تمتد بين أربع وخمس سنوات. ولقد تفوقت الاستثمارات المنفذة حتى اليوم بين صندوق الاستثمار الروسي المباشر وصندوق الاستثمار السعودي العام كافة المؤشرات الرئيسية، وهناك عدد من المشاريع المشتركة الجديدة والواعدة بين البلدين قيد الإعداد والتنفيذ. ولقد تم بالفعل وضع اللمسات الأخيرة على سبع صفقات تقدر قيمتها الإجمالية بنحو مليار دولار.
ويعد صندوق الاستثمار الروسي المباشر هو بطل روسيا في تطوير الشراكة التجارية الثنائية مع السعودية، وتعتبر هذه الشراكة حيوية وحاسمة من حيث تحقيق الازدهار لمستقبل كلا البلدين.
يعتبر قطاع الطاقة والنفط من المجالات المناسبة للغاية بالنسبة إلى روسيا والسعودية، على مستوى الدولة وعلى مستوى الشركات. وكانت الدولتان، اللتان تمثلان سويا نحو ربع الناتج العالمي من النفط، هما القوة الدافعة وراء إبرام اتفاق «أوبك بلس»، وهو الاتفاق غير المسبوق بشأن إنتاج النفط، والذي أسفر عن استقرار أسواق الطاقة العالمية، وعاد بالنفع والفائدة على كل من الموردين والمستهلكين. ويتجسد هذا المستوى من التعاون مع مجموعة متنوعة من المشاريع في هذه القطاعات، التي تتراوح بين المشروعات الإنتاجية إلى تطوير التكنولوجيا -مما يعد علامة مؤكدة على أن التعاون الحكومي في سياسات الطاقة يمكن تكراره على مستوى الشركات. وصندوق الاستثمار الروسي السعودي في مجال الطاقة بقيمة مليار دولار قد ركز على تحديد فرص الاستثمار الواعدة في إنتاج النفط والغاز الروسي. وسوف يشكل ذلك مثالا جيدا على أطر العمل المشترك والمزيد من تحفيز تحالفات الشركات.
وتعمل روسيا أيضا مع الشركات السعودية الرئيسية. وبدعم من الهيئة العامة للاستثمار في السعودية، يعمل صندوق الاستثمار الروسي المباشر على تحديد فرص الاستثمار الجذابة في كل من السعودية ودول الخليج العربي الأخرى. وتتيح الاتفاقيات من هذه النوعية تزويد الشركات الروسية بفرصة لتطوير العمليات المحلية، فضلا عن اكتساب موطئ قدم في أسواق جديدة. ويستمر تقدم العلاقة الجامعة بين صندوق الاستثمار الروسي المباشر والهيئة العامة للاستثمار في السعودية، ولقد تم الإعلان مؤخراً عن منتدى الاستثمار السعودي الذي سوف يعقد في موسكو في الخامس من أكتوبر (تشرين الأول) من العام الحالي، والذي لأجله تمت دعوة أكثر من 200 شركة للمشاركة، بما في ذلك صندوق الاستثمار السعودي العام، وشركة أرامكو السعودية، وشركة غازبروم الروسية، وشركة ايروفلوت، وشركة سيبور، وشركة سابك، من بين شركات أخرى. ومنذ تأسيسه، التزم صندوق الاستثمار الروسي المباشر بالعمل مع صناديق الثروة السيادية العالمية بغية الاستثمار المشترك في المشروعات المحلية والخارجية. والعلاقة الوثيقة بين روسيا والسعودية كانت ضماناً أكيداً لأن تحظى هذه الروابط التعاونية بمزيد من التأييد السياسي والاقتصادي الواسع، كما أنها ذات فوائد كبيرة لكلا البلدين. وكانت صناديق الثروة السيادية من دول الخليج العربي، وعلى رأسها السعودية، من القوى الأساسية وراء نجاح مهمة صندوق الاستثمار الروسي المباشر في جذب الاستثمارات الأجنبية المباشرة طويلة الأجل إلى الاقتصاد الروسي. ويعني نموذج الاستثمار المشترك الفريد من نوعه لدى صندوق الاستثمار الروسي المباشر دمج الخبرات الفنية والمحلية لشركائنا الدوليين، الأمر الذي من شأنه تعزيز التنمية الاقتصادية الروسية وإيجاد القيمة المهمة للشركاء.
وعلى مدى السنوات المنقضية قطعت شراكتنا شوطا طويلا ومؤثرا مع صندوق الاستثمار السعودي العام. ولقد نجحنا سويا في تنفيذ صفقات البنية التحتية لوسائل النقل، والصناعات التحويلية، والخدمات اللوجيستية، من بين قطاعات أخرى، ونولي بكل نشاط كبير الاهتمام لتنفيذ أكثر من 25 مشروعا آخر. ونحن نلاحظ كيف تتزايد العلاقات التجارية والاستثمارية الجديدة بين صندوقي الثروة السيادية لدى البلدين. وإننا نتسق تماما مع رؤية السعودية لعام 2030 ولأن يتحول صندوق الاستثمار السعودي العام لأكبر وأهم صندوق للثروة السيادية على مستوى العالم. ومن واقع تبادل وجهات النظر مع شركائنا السعوديين، فإننا مهتمون بإضافة الزخم والقيمة المهمة إلى اقتصادات البلدين من خلال تحقيق العوائد المرتفعة عبر التعاون المشترك في مجموعة واسعة من القطاعات داخل السعودية وروسيا. وعلى هذا النحو، فهناك حماس روسي كبير حيال العمل مع السعودية بهدف تحسين الصناعة والتصنيع التحويلي بما يتسق والرؤية السعودية. والجانب الروسي منفتح للغاية على إبرام الشراكات الاستراتيجية التي تعزز من إمكانات التجارة والصادرات في كلا البلدين. ويعلن صندوق الاستثمار الروسي المباشر عن التزامه الدائم بتعميق هذه العلاقات والروابط من خلال توظيف أفضل الممارسات الممكنة.
وتعتبر المشروعات المتنوعة وطويلة الأجل من الأهمية والضرورة بمكان في تنمية هذه العلاقات والحفاظ على هذه الشراكات الاستراتيجية بين البلدين. إن زيارة العاهل السعودي إلى روسيا هي من أهم الأسباب الداعية للتفاؤل، وتشكل نقطة تحول مؤثرة في تعزيز العلاقات بين روسيا والسعودية، ودول منطقة الشرق الأوسط الأخرى لسنوات عديدة مقبلة. وتتشارك روسيا والسعودية في العديد من القيم والاهتمامات الثقافية المشتركة، وإننا نتطلع قدما إلى مواصلة تنمية وتعزيز العلاقات التجارية والاستثمارية الجديدة بين البلدين على الصعيدين الاقتصادي والثقافي.

- الرئيس التنفيذي لصندوق الاستثمار الروسي المباشر وصندوق الثروة السيادية للاتحاد الروسي