علي سعد الموسى

في قراءة الاستقبال التاريخي الروسي للعاهل السعودي، خادم الحرمين الشريفين، الملك سلمان بن عبدالعزيز، يمكن لنا وبكل الحياد وبعيداً عن العاطفة، أن نقول إن شكلاً جديداً من الأطلس السياسي لجغرافية محاور القوى العالمية قد بدأ في الولادة،

وانتهى من مرحلة المخاض والتشكل. وبحسب الجملة الأولى لنشرة أخبار التلفزيون الرسمي الروسي «روسيا اليوم» فلم يحظ زعيم دولة بالسقف البروتوكولي الأعلى في زيارة لموسكو من قبل إلا الزعيم الصيني، وفي هذا دلالة بالغة، ستقود إلى سرد شيء من أحداث «البروتوكول» في هذا العام، ولوحده، اختار الرئيس الأميركي، هذه الرياض، لتكون المحطة الأولى لأول زيارة له منذ دخوله البيت الأبيض، هذا ما لم يفعله على مدار التاريخ، لا أي رئيس أميركي فحسب، بل لم يفعله أيضاً من قبل أي زعيم غربي على الإطلاق. ومن الرياض، شكل الزعيمان السعودي والأميركي نواة الترتيب السياسي للعلاقات بشروطها وظروفها، لا بين عاصمتين وبلدين فحسب، بل بين منظومتين متكاملتين: العالم الغربي في كفة ميزان، والعالمين العربي والإسلامي في الكفة المقابلة، بعدها لم يخل أي حديث للرئيس الأميركي، بما في ذلك مطلع خطابه الأخير في الأمم المتحدة من الإشارة المباشرة لقمم الرياض، وكيف أصبحت بمثابة «الكاتالوج» الرسمي للمرجع الأساسي في شكل العلاقات الدولية.
اليوم، بات من الواضح بمكان أن الترتيب السياسي لأطلس المحاور العالمية يتكئ فقط على ثلاث قواعد وأعمدة هي واشنطن وموسكو والرياض. وكل قاعدة أو عمود من هذه المحاور سيتولى ترتيب منظومته التي تدور في فلكه، بما يضمن التكامل والحوار مع المنظومتين الأخريين بدلاً من المناكفة والمواجهة، ومن يمن الطالع، وللعالم بأسره، وفي لقطة يندر تكرارها في حياة الشعوب، أن ساكني بيوت القرار في هذه العواصم الثلاث هم اليوم من أصحاب القرار القوي والشخصية الكاريزماتية النافذة.
الخلاصة أن موسكو وواشنطن باتتا تدركان أن الخريطتين الإسلامية والعربية أصبحتا محورا مستقلا، لا تابعا وحليفا تقليديا، وحين غربلتا خارطة الدول وسيرة القادة لم تجدا أمامهما سوى التلقائي الوحيد القادر على المصافحة بكل ندية وكفاءة. وجدت سلمان بن عبدالعزيز.