الزيارة التاريخية وعملاقا الطاقة: السعودية مع كبار العالم

قينان الغامدي

السعودية تعي مصالحها ومصالح الآخرين، وتستطيع أن تطور علاقاتها في ضوء مصالحها الوطنية، ووفقا لجهودها التراكمية الحثيثة التي تؤهلها وتجعلها جديرة بأن تبقى دائما مع الكبار

تختتم اليوم الزيارة التاريخية التي يقوم بها خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز لروسيا، وهي بحق زيارة تاريخية، نظرا لكونها تعد الزيارة الأولى لملك سعودي إلى موسكو، وأهم من ذلك ما حققته من نتائج كبرى، سواء على مستوى الاتفاقيات التي وقعت، أو على مستوى التأثير الضخم الذي أحدثته عالميا على المستويين السياسي والاقتصادي، حيث إن الدولتين (السعودية وروسيا) لهما ثقل عالمي كبير على كافة المستويات، إضافة إلى أهميتهما البالغة المؤثرة في قضايا منطقة الشرق الأوسط وأزماته الآنية!. 
ولن أستمر في سرد فعاليات ونتائج الزيارة، فقد وفاها الإعلامان المحلي والعالمي حقها من النشر والتعليق، لكني سأتوقف عند أمرين: 
أولهما: ما توقف عنده بعض الأعداء والتافهين من وسائل الإعلام والمعلقين العرب، حيث أشغلتهم عن جهل وغرض ثلاثة أمور، هي: أن الرئيس الروسي لم يخرج إلى المطار لاستقبال الملك، وأن الوفد السعودي المرافق ضخم، وأن السلم الكهربائي للطائرة الملكية تعطل أثناء نزول الملك، والطريف أن هؤلاء التافهين صنعوا حول هذه الأمور قصصا وروايات تفوقوا بها على ألف ليلة وليلة، بل واعتبرها بعضهم محور الزيارة وهدفها، وكل هذا بهدف التقليل من شأن الزيارة التي تراقبها عواصم العالم المتقدم باهتمام كبير وحذر، ومن ثم التقليل من شأن المملكة وأهميتها!.
البروتوكول الرسمي في روسيا يحتم استقبال بوتين لضيوف الدولة في قصر الكرملين لا في المطار، وقد شاهد العالم الاستقبال التاريخي الذي لم يسبق لزعيم أن حظي به قبل الملك سلمان، أما ضخامة الوفد فهناك زعماء لدول أقل أهمية ومكانة من المملكة والملك يصطحبون في زياراتهم وفودا أضخم، ثم إن أهمية الزيارة والدولة تحتم مثل هذا الزخم، أما عطل السلم فلا يستحق أي رد على من ركز عليه أو تعليق أو احترام!. 
الأمر الثاني الذي أريد التركيز عليه، وهو الأهم، هو أصداء الزيارة في الإعلام العالمي المهني، الذي يعرف مكانة الدولتين والزعيمين والآثار المتربة على لقائهما على المستوى العالمي والإقليمي، وهي أصداء ترجمتها ونقلتها بعض المواقع العربية المحترمة على النت. 
«باتريك وينتور» المحرر الدبلوماسي في صحيفة الجارديان البريطانية كتب: إن زيارة الملك السعودي إلى روسيا تبشر بتحول في هياكل القوة العالمية!، وباتريك يستند في ذلك إلى ما عبر عنه الرئيس بوتين نفسه، إذ عبر عن أمله في أن تتوَّج أول رحلة رسمية يقوم بها الملك سلمان إلى موسكو بتدشين تحالفٍ قويّ جديد يركز على النفط والصراعات في دول الخليج!.
وتحت عنوان «لماذا تراقب واشنطن زيارة العاهل السعودي لروسيا؟» قالت صحيفة «واشنطن بوست» الأمريكية إن الزيارة سوف تشمل الكثير من الاهتمامات، وخاصة علاقات الطاقة، وسوف تستغلها موسكو لتقوية العلاقات في كثير من المجالات «رغم أنف أميركا»، خاصة بعد المواقف المتقلبة للرئيس دونالد ترمب فيما يخص الشرق الأوسط!.
وقال «ثيودور كاراسيك»، وهو خبير أمريكي في الشؤون السعودية: «إن علاقات الطاقة السعودية الروسية جزء من علاقة أكبر من المصالح المشتركة»، مشيرًا إلى أن روسيا كانت تعمل على تقوية العلاقات، من خلال زيارة الأمير محمد «ولي العهد» روسيا مرتين مؤخرا.
أما صحيفة «فايننشال تايمز» فقد نشرت تقريرا مشتركا لكل من (هنري فوي، وأحمد العمران، وأنجلي رافال ) أوردوا فيه: إن الحديث عن صفقات الاستثمار وسوق النفط والحرب في سورية سيسيطر على المحادثات التاريخية بين القيادة الروسية والسعودية، التي من المفترض أن تعزز علاقة تزيد عمقا بين عملاقي الطاقة، وإنه تم استبدال علاقة كان يشوبها عدم الثقة والتشكك المتبادل، بعلاقة تعاون استراتيجي، شملت الاقتصاد والتجارة والجغرافيا السياسية على مدى العام الماضي، حيث تحسّنت العلاقات بين البلدين في وقت ساءت فيه العلاقة بين موسكو والدول الغربية!، ويستند الكتاب الثلاثة في تقريرهم إلى قول بوتين يوم الأربعاء الماضي: «كانت علاقاتنا مع السعودية سطحية سابقا، لكنها الآن تتطور بسرعة.. وهناك إمكانيات كبيرة، وننظر إلى المستقبل بثقة مع السعودية والشرق الأوسط بشكل عام»!.
ويلفت كتاب التقرير الثلاثة إلى أن: ما يقوي هذه العلاقة هو الصفقة التي وقعت في ديسمبر العام الماضي بين موسكو والرياض، للتخفيض من إنتاج النفط الخام من كل من روسيا ومنظمة الدول المصدرة للنفط «أوبيك»، التي ساعدت على رفع أسعار النفط بصعوبة إلى 50 دولارا للبرميل، مما خفف الضغط على البلدين.
أما مديرة استراتيجية السلع في شركة «آر بي سي كابيتال ماركتس» (حليمة كروفت) «فقد قالت للصحيفة: «إن صفقات الطاقة هي جانب واحد من جوانب العلاقات الثنائية الأوسع بين روسيا والسعودية، حيث يحاول البلدان الإدارة المشتركة لسوق النفط، ومحاولة الإدارة المشتركة للشرق الأوسط أيضا من وجهة نظر جيوسياسية». 
ونقلت الصحيفة عن الكتاب الثلاثة: إن ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، الذي يقود جهود إصلاح الاقتصاد السعودي، ويسعى نحو سياسة خارجية أكثر حزما، يقود العلاقات الجديدة مع روسيا، وعلى ذلك تعلق «كروفت» قائلة إن ذلك «يعطيه صديقا قويا آخر وموازنا لأمريكا».
هذه بعض الأصداء في الإعلام العالمي الذي تدفعه مهنيته إلى الغوص في جوهر الأحداث لا قشورها، والذي - كما قلت - يدرك ثقل الدولتين في ميزان القوى العالمي والإقليمي، ويدرك أن السعودية تعي مصالحها، ومصالح الآخرين، وتستطيع وفق ذلك أن تطور علاقاتها في ضوء مصالحها الوطنية، ووفقا لجهودها التراكمية الحثيثة التي تؤهلها وتجعلها جديرة بأن تبقى دائما مع الكبار في صدارة المشهد العالمي اقتصاديا وسياسيا.