محمد البشاري

 استطاعت جمهورية مصر العربية تحقيق المصالحة الوطنية الفلسطينية بعد عشر سنوات عجاف من الشرذمة والتمزق والانقسام والخصومة والعداء المتبادل منذ انقلاب«حماس» على السلطة بقطاع غزة 2007، انطلاقاً من تفاهمات القاهرة بين حركة «حماس» ممثلة قي قائدها يحيى السنوار ومعه المكتب السياسي للحركة وحركة «فتح» بجناحيها، التي بدأها زعيم تيار الإصلاح الديمقراطي النائب محمد دحلان في جولتي التفاهمات الأولى في 11 يونيو والثانية يوم 11 اغسطس 2017، والتي مهدت إلى المصالحة مع الرئيس محمود عباس الذي قدم شروطه الثلاثة للاتفاق، والتي وافقت عليها «حماس» في بيانها الصادر في 17 سبتمبر2017 وتضمن: حل اللجنة الإدارية التي تدير قطاع غزة، واستلام حكومة رامي الحمد الله إدارة القطاع، وإجراء الانتخابات الرئاسية والتشريعية.

تحققت النقطتان الأولى والثانية، بينما تأجلت الثالثة إلى حين. وإذا بات مستحيلاً إنهاء الاحتلال الصهيوني وقيام الدولة الفلسطينية من خلال اتفاق سلام عادل ودائم مع إسرائيل، فإن علاج جراح الحرب الأهلية التي قسمت الفلسطينيين يمثل حالياً أولوية الأولويات، ولا سيما وأن المفاوضات مع إسرائيل أفشلها رئيس وزرائها نتنياهو عام 2014 بسبب عدة مسائل منها إشكالية الاستيطان الإسرائيلي في الأراضي المحتلة والمصالحة بين «فتح» و«حماس» فغدا «الوضع الفلسطيني الداخلي اليوم أهم وأقدس وأجدى متجاوزاً ما تسمى بالمفاوضات. وعلى ضوء تصريح مهندس المصالحة النائب محمد دحلان- أمام المخطط الإسرائيلي الساعي إلى «تهويد شامل للضفة الغربية وليس فقط للقدس» ليصبح «من المستحيل تنفيذ حل الدولتين... وبالتالي لا يوجد أفق سياسي». دفع هذا المخطط بيحيى السنوار رئيس حركة «حماس» في القطاع إلى إلقاء تصريح ناري هدد فيه بـ«كسر عنق من سيعطل المصالحة بين حركة«فتح» وحركته، وتنفيذاً لإعلانه بأن المقاومة الإسلامية ستقدم تنازلات صاعقة أعلن:«بأننا كنا معنيين بأن يذهب أبو مازن إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة قوياًّ وليس ضعيفاً. قاطعاً بهذا التصريح الطريق على الاملاءات الخارجية المعتادة على الحركة من طهران بذراعها«حزب الله» ونظام بشار الأسد وأنقرة والدوحة، وفي السياق ذاته التأكيد على ضرورة لحمة الصف الفلسطيني، وتنفيذاً لخارطة الطريق العربيّة، والتي تقوم على عقد مصالحة داخلية في حركة«فتح» بين عباس ودحلان يتبعها مصالحة بين«حماس» و«فتح» تنتهي تلك الخارطة بعقد سلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين.

ينقلب «السنوار» جذرياً على تاريخ الحركة، بإنهاء حركة «حماس» علاقاتها مع «التنظيم العالمي للإخوان»، وأن تضع حداً لعلاقاتها «المتهورة» مع إيران ومع «حزب الله»، فلا بد من أن تتخلص من الهيمنة القطرية كي تصبح تنظيماً وطنياً وتسري هذه المصالحة، التي لا تزال في بداياتها وعدم الاكتفاء بمجرد حسن النوايا، وإنما تغدو خياراً استراتيجياً فعلياً، فتصبح «منظمة التحرير» إطاراً تنظيمياً وسياسياً لكل الفصائل الفلسطينية.

وبتحقيق هذا الإنجاز الكبير - أي المصالحة الوطنية - في تاريخ القضية الفلسطينية، وتحت إشراف مباشر لجهاز المخابرات المصرية تكون حركة «حماس» غلّبت المصلحة الوطنية والقُطْرية، على أجندة عالمية التنظيم، وتسجل بارتياح تعاملها مع ما يعتبره التنظيم الدولي للإخوان المسلمين بالانقلابيين ضد الشرعية أو عملاء متواطئين مع الكيان الإسرائيلي ضد القضية الفلسطينية. لتكون حركة«حماس» الإخوانية المنشأ تضع تنظيم «الإخوان» الإرهابي بين خيارين أحلاهما مر، إما أن تحكم على تصرف «حماس» بالخيانة والعمالة كما تفعل مع الداعين للمصالحة الوطنية في مصر ومع المتعاملين مع النظام المصري بوصفه النظام الحاكم فعلياً، وإن اختلفوا معه.. وإما أن تحكم على نفسها بالجمود وانعدام المهارة السياسية لأنها لم تستطع حتى الآن الوصول إلى تسوية لأزمتها تتشابه فيها بحركة «حماس».. تدفع هذه ضريبة كل التنظيمات ذات الشعارات البراقة الزائفة، والتي تداري عجزها الدائم بادعاء احتكار الفضيلة، فتصف المهارة السياسية بالخيانة إذا خرجت منها صفر اليدين، على حسب تغريدة أحد المدونين.