جبريل العبيدي

تنظيم داعش الذي ابتدعه البغدادي مع رهط من السفهاء، دستوره كتاب «إدارة التوحش» (Management of Savagery)، الكتاب الذي اتخذه البغدادي منهجاً لإدارة دولة الرعب التي تزعمها طيلة ثلاث سنوات، قبل أن تنهار أمام التحالف الدولي، وهو كتاب ممهور باسم «أبي بكر ناجي»، ولكن الدلائل وإفادات بعض المعتقلين من قيادة «داعش» أو «القاعدة» تؤكد أن مؤلفه الحقيقي هو المدعو محمد خليل الحكايمة، وهو إعلامي إيراني سابق، وفق ما جاء في اعترافات مفتي تنظيم القاعدة في مصر، ليؤكد أن الكتاب أُلِّف ممن لا علم له بالعلوم الشرعية ولا فقه عنده، وما هو بحافظ حتى لجزء من كتاب الله، لكنه تجرأ على أن يضع دستوراً لدويلة زعم السفيه البغدادي زاعماً أنها على منهاج الدين القويم، وهو منها براء، وهو كتاب يُعتبر امتداداً وشرحاً تفصيلياً لكتاب سيد قطب «معالم في الطريق»، وهو من الكتب التي تشكل منهج جماعة الإخوان العنفي، حيث تشكل بعدها الجناح القطبي، الذي خرجت من عباءته أغلب التنظيمات الإرهابية؛ من تنظيم التكفير والهجرة الذي تزعمه مصطفى شكري، إلى «القاعدة» الذي تزعمه بن لادن، والذي اعترف بانضمامه في السابق لتنظيم الإخوان، إلى تنظيم داعش الذي خرج أخيراً قبل أن ينهار كمشروع «دولة»، كما حاول صبغها البغدادي بمفهوم جيوسياسي بالسيطرة على التراب والشعب، وتولية وزراء وحكام ولايات وصك عملة، حيث تمكن التنظيم من السيطرة المؤقتة على أكثر من نصف مساحة سوريا، ونصف مساحة العراق وأجزاء من ليبيا والصومال وسيناء مصر، قبل أن تتقلص مناطق نفوذه ويشارف على الانهيار، لتطفو على السطح تركات «داعش» ومشروعه الضال، ومنها أطفال المقاتلين، ومنهم الذين جُلبوا قسرا من قبل أهاليهم وذويهم لمناطق التنظيم، وهكذا باتوا ضحايا لنزوات البغدادي والسفهاء الذين معه وهوسهم وجنونهم. وهكذا أيضاً غدا كتاب «إدارة التوحش» الذي كتبه المذيع السابق في تلفزيون إيران خليل الحكايمة منهاجاً للبغدادي ودويلته المزعومة.

القضية الآن ليست في المقاتلين الذين اختاروا «طوعاً» ما كتبه الحكايمة أو ما أقره لهم البغدادي، وبايعوه على السمع والطاعة، ولكنها في أزمة أطفال وجدوا أنفسهم بين هؤلاء المرضى الفصاميين، سواء من أهاليهم البيولوجيين بحكم «نكاح الجهاد»، أو من محيطهم المريض بالساديين والمتعطشين للدماء والجنس.

استغلال تنظيم داعش للأطفال كانتحاريين، بعد تجنيدهم في صفوفه، لم يكن مخفياً ولا مستغرباً، وبحسب ما خلصت إليه دراسة لجامعة جورجيا الأميركية فإن 39 في المائة من أطفال «داعش» نفذوا هجمات انتحارية، وكما ذكرت صحيفة «غارديان» البريطانية، فإن «أطفال تنظيم داعش الأيتام يتعرضون لتهديدات خطيرة، وهؤلاء الأطفال يتم إخفاؤهم في مخيمات بشمال العراق، ولا يوجد أي برنامج خاص لتأهيلهم». وفي إحصائيات أخرى فإن خمسمائة طفل فرنسي ومثلهم إلا قليلاً من بريطانيا، وضعفهم من الشيشان وروسيا وما جاورها، وتتوزع الأعداد الكبرى على أطفال العرب المنخرطين في «داعش»، الذين أغلبهم أصبحوا أيتاماً بعد أن فر ذووهم وتركوهم وراءهم، كما حدث في الموصل العراقية وسرت الليبية والرقة السورية.

تنظيم إرهابي لا أخلاق له، يفر مقاتلوه الجبناء الفصاميون قبل أن يؤمِّنوا ولو ممراً آمناً لأطفال هم آباؤهم على الأقل بيولوجياً.

قضية أطفال «داعش» أصبحت تطفو على السطح، لأن تركهم دون اهتمام أو رعاية صحية نفسية وتبنٍّ من المجتمع الدولي، خصوصاً في ظل فشل الأمم المتحدة في تحديد حتى الأعداد الحقيقية لأطفال «داعش»، وغياب أي خطة واضحة للمعالجة، سيتسبب في ردة فعل غير محمودة العواقب مستقبلاً على المجتمع إن هو تنكر لهم؛ فسيتحولون إلى قنابل ستنفجر مستقبلاً، كما تكهن وخطط «داعش» لهم، فالتنظيم خطط لأن يترك خوالفَ له، بعد أن أدرك نهايته الوشيكة كمشروع «دولة» بإدارة التوحش.