حمد العامر

في (25 سبتمبر 2017م) انتهى الاستفتاء حول انفصال إقليم كردستان عن دولة العراق بنتيجة بلغت (92.7%) لصالح الانفصال وبنسبة مشاركة وصلت إلى (72%)، رغم المعارضة الشديدة الداخلية والخارجية التي قوبلت بها فكرة الاستفتاء، حيث رفضته الأمم المتحدة وجامعة الدول العربية والعديد من الدول كالولايات المتحدة الأمريكية والمملكة العربية السعودية وتركيا، إلا أن إصرار الرئيس الكردي مسعود البرزاني على المغامرة باستقلال العراق كان أقوى من الجميع وتم الاستفتاء بعد تأجيله عدة مرات منذ عام (2014م).


يصل عدد الأكراد المنتشرين في أقاليم تابعة لدول مثل تركيا وسوريا وإيران إلى (32 مليوناً) نسمة، بينما يتمتع إقليم كردستان العراق بدرجة متقدمة من الاستقلال والحكم الذاتي الديمقراطي، حيث يتخذ من محافظة أربيل عاصمة له، وله برلمان إقليمي مكون من (111) مقعداً، وعلم ونشيد وطني خاص، ويبلغ عدد سكانه (5.2 مليون) نسمة، ويوجد به مطاران دوليان هما مطار أربيل الدولي ومطار السليمانية الدولي، كما أن معظم الرحلات الجوية المباشرة من أوروبا والشرق الأوسط تتم من دون الهبوط في بغداد.
فقد كانت للحروب التي خاضها العراق خلال العقود الأخيرة تأثيراتها المباشرة على حصول إقليم كردستان على الحكم الذاتي، حيث أدت إلى ضعف الحكومة العراقية المركزية، خصوصا بعد قيام الولايات المتحدة الأمريكية في (مارس 2003م) بتقديم الأراضي العراقية (على طبق من ذهب لإيران) كما قال المغفور له الأمير سعود الفيصل، لتقيم إيران أول دولة عربية شيعية وتعيث بالمنطقة فسادًا انطلاقًا من العراق.
كل تلك الأحداث كانت تسير في صالح الاستقلال الكردي عن بغداد التي شكلت معها تحالفًا ضد السنة، فاستغل الأكراد انهيار الجيش العراقي وانسحابه من شمال العراق عام (2014م) إثر المعارك الطاحنة مع جيش تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) لاحتلال تلك المنطقة الغنية بالنفط، ليسهم ذلك في استقلالها الاقتصادي الفعلي عن الحكومة المركزية بالاعتماد على تصدير النفط إلى إقليم جيهان في تركيا.
إلا أن سياسة فرض الأمر الواقع التي اتبعها مسعود البرزاني بإجرائه الاستفتاء رغم كل المعارضات الداخلية والدولية، ستكون لها الكثير من الانعكاسات الخطيرة على استقرار وأمن العراق، الذي يعاني أصلا من العديد من المشاكل الأمنية والسياسية والاقتصادية، وبدت تلك الانعكاسات جلية مع بدء عملية الاستفتاء مباشرة، وتمثلت في الآتي:
أولاً: عدم موافقة الحكومة العراقية ابتداءً على إجراء الاستفتاء وبالتالي على نتائجه ورفض الحوار بشأنه، وهذا ما استدعاها لفرض الحصار الجوي ومنع الطيران الدولي من عبور أجواء العراق في المرحلة الأولى، ومطالبة حكومة كردستان بتسليم إدارة مطاراتها الدولية لإدارة الطيران المدني العراقي، ومن المتوقع أن تعقب ذلك تحركات عسكرية لاستعادة كركوك والمناطق النفطية التي تشكل العمود الفقري للاقتصاد الكردي، خصوصاً بعد الاتفاق العراقي الإيراني خلال الزيارة التي قام بها رئيس الأركان العراقي للعاصمة طهران على إجراء مناورات عسكرية على الحدود.
ثانياً: رفض إيران وتركيا وسوريا القاطع لانفصال إقليم كردستان واستقلاله عن العراق وقيام أول دولة للشعب الكردي، لخطورته الشديدة على الأمن القومي لهذه الدول، ففيه تشجيع لأكرادها للمطالبة بالمثل، وهذا ما حدا بتركيا للتلويح بفرض عقوبات اقتصادية وتحركات عسكرية مدمرة.
ثالثاً: الحصار الجوي والبري المتوقع من قبل إيران وتركيا وسوريا على إقليم كردستان الذي يفتقر لمنافذ مفتوحة على العالم، وهذا ما سيزيد من معاناة الشعب الكردي ويضعف قدرات الإقليم الاقتصادية وتعاملاته التجارية وانخفاض معدلات نموه الاقتصادي الذي يتمتع حاليا بنسبة (6%) سنوياً.
وهكذا تأتي الأزمة الكردية لتضيف إلى المنطقة مزيدًا من الأزمات والتعقيدات والصراعات، خصوصًا بعد انهيار تنظيم داعش وفشله في تحقيق أهدافه المخطط لها في الدوائر المغلقة الساعية لإبقاء المنطقة العربية في حالة غليان وصراع لا ينتهي لتدوير ماكينة صناعة السلاح الأمريكية والأوروبية للحد من البطالة واستمرار حصولها على النفط بأسعار زهيدة وتنفيذ باقي خطوات (خطة الفوضى الخلاقة) الهادفة لتغيير الأنظمة العربية الحاكمة بمبررات المشاركة الشعبية والتعددية وحماية حقوق الإنسان.
وبما أن دول الخليج قد استشعرت -منذ الانسحاب البريطاني من المنطقة في (نوفمبر 1971م)- بالخطر المحدق الذي يتربص بها، والذي تفاقم مع انطلاقة شرارة الحرب العراقية الإيرانية عام (1980م)، وأنشأت منظومة (مجلس التعاون) في (1981م) لحفظ أمنها واستقلالها، والذي يعد التجربة الوحدوية الوحيدة الناجحة في الوطن العربي، فإنه من الضروري جداً وفي هذه المرحلة الحرجة للغاية حفظ هذا الصرح العظيم من الانهيار بمعالجة الأزمة الخليجية الراهنة بالحوار القائم على تنفيذ ما ورد في اتفاق الرياض والاتفاق التكميلي وآلياته التنفيذية بضمانات أمريكية والاستفادة من الوساطة الكويتية وتدخل الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لعقد اجتماع في واشنطن يجمع بين الفرقاء في (10 أكتوبر 2017م)، وقرب انعقاد القمة الخليجية في دولة الكويت في ديسمبر القادم.

 المحلل السياسي للشؤون الإقليمية ومجلس التعاون