عقل العقل

< من المقرر أن يتخذ الرئيس الأميركي قراراً في 15 من الشهر الجاري حول التزام إيران بروح الاتفاق النووي، الذي وقّع بين مجموعة الخمسة +1 قبل عامين. قبل أسابيع وفي أول خطاب للرئيس ترامب في الجمعية العامة للأمم المتحدة، وصف الاتفاق النووي مع إيران بـ«المعيب»، كما وصف إيران بالدولة المارقة التي تزرع الشر في العالم.

كل المؤشرات تميل وبقوة إلى إلغاء هذا الاتفاق، الذي وصفه الرئيس ترامب إبان حملته الرئاسية - ولا يزال- بأنه أسوأ اتفاق في تاريخ أميركا. البيت الأبيض في حال إلغائه هذا الاتفاق سيدفع به إلى الكونغرس الأميركي لإقراره من عدمه في مدة لا تتجاوز الـ60 يوماً، وكلنا يعرف أن إيران لا توجد لديها قوة ضغط في الكونغرس، بل حتى أن نسبة كبيرة من أعضائه الديمقراطيين يعارضون هذا الاتفاق.

بعض المحللين يعتقدون أن الهدف مما يثار حول مراجعة أو إلغاء هذا الاتفاق هو لمراجعة بعض بنوده بما يحد من الطموحات الإيرانية، وخصوصاً في مجال ترسانة الصواريخ البالستية، التي يجريها النظام الإيراني بشكل متكرر بعد توقيع الاتفاق النووي معها.

الشركاء الأوروبيون في هذا الاتفاق يبدو أنهم منقسمون حيال الخطوة الأميركية المقبلة تجاه هذا الاتفاق، فبريطانيا مثلاً، وهي المتحمسة للاستمرار في هذا الاتفاق، تعاني من موقفها المتمثل بأن لها شراكة وعلاقة خاصة مع واشنطن، في الوقت نفسه هي ليست بذات الثقل بعد تصويتها للخروج من الاتحاد الأوروبي، فرنسا ماكرون هي أقرب إلى موقف الرئيس ترامب في التعاطي مع هذا الملف أو على الأقل تحسين شروطه، بعض كتاب الرأي في الصحف البريطانية بدأوا حملة تخويف من قرار الرئيس ترامب المحتمل، وأن هذه الخطوة ستفجر حرباً جديدة في منطقة الشرق الأوسط وهي المهيأة للانفجار، بل إن بعضهم ربط بين إلغاء الاتفاق والحرب على داعش.

إن مثل هذه المقولات واهية وغير واقعية، فكلنا يعرف أن منطقة الشرق الأوسط تمر بأزمات وفراغ سياسي وأمني خطير يهدد شعوبها، ولم نَرَ أي انعكاسات إيجابية لهذا الاتفاق على الأوضاع الإقليمية، بل إن النظام الإيراني استخدم اتفاقه مع هذه القوى الدولية في سياسات تخريبية في العالم العربي، وهذا قد يكون خطأ جسيماً في بنود الاتفاق الأساس، الذي ركز على البنود التقنية من مراقبة وتفتيش على المنشآت النووية الإيرانية، ولكنه لم يتضمن أية شروط على سلوكها السياسي التوسعي في المنطقة، ولقد طالبنا في فترة مفاوضات ذلك الاتفاق في فترة الرئيس السابق باراك أوباما بأن يكون لدول الخليج العربي حضور وصوت في تلك المفاوضات لضمان أمنها القومي، ولكن وقّع الاتفاق ورحبت دول الخليج به على أمل أن يتغير سلوك إيران السياسي في المنطقة، ولكن النظام الإيراني استخدمه وبلغة «استقواء» في المنطقة، لاسيما في سورية واليمن، بل كان من تبعات ذلك الاتفاق زيادة ملحوظة في تسلح دول الإقليم، وهذا حق مشروع وخصوصاً لدول الخليج العربي، للدفاع عن أمنها القومي في مجابهة دولة لا تتردد في سلوكها العدواني، المتمثل في تصدير ثورتها منذ ثورة الخميني في ثمانينات القرن الماضي.

إن قرار الرئيس ترامب المرتقب سيعود إلى سياسة الحصار والمقاطعة على إيران، وهذا قد يكون له تأثير قوي على التوجه القطري بأن عمقها وحاضنتها ليس في الارتماء بالحضن الإيراني، بل مع أشقائها في المنظومة الخليجية.