لا يبدو مزاج القراء الألمان مطابقاً هذه السنة لأجواء معرض فرنكفورت الدولي للكتاب الذي افتتح شعبياً أمس، بعد افتتاح رسمي أول من أمس شاركت فيه أنغيلا مركل والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، الذي تحلّ بلاده ضيف شرف على المعرض. ويُظهر التقرير الأخير عن الكتب الأكثر قراءة في ألمانيا الذي نشرته مجلة «بوكس»، رواج كتب بعيدة ظاهراً عن الأدب وعن الرواية التي تغزو أوساط القراء عالمياً وتصبّ في مجال الطب البديل والطبيعة عطفاً على سيَر كبار رجالات الماضي.

وبينما أعلن فوز الروائية الكندية مارغريت أتود بجائزة السلام التي تمنح في المعرض، يحتل كتاب «الشفاء بقوة الطبيعة» (دار إنسل) للطبيب الألماني أندرياس ميكالسن رأس قائمة الكتب الأكثر مبيعاً، وميكالسن هو رئيس قسم العلاج الطبيعي في مستشفى إيمانويل في برلين، وفي كتابه هذا، يدافع عن سبل تعود ظاهراً إلى القرون الوسطى، وتشمل تحديداً ما يسمى افتعال النزيف واستعمال ديدان العلق. ومع أنّ هذا الميل إلى العلاجات البديلة ليس محصوراً في ألمانيا، فهو تطوّر كثيراً فيها. واللافت أنّ الطريق الذي سلكه إيكارت فون هيرش هاوزن، الذي حلّ كتابه «المعجزات تصنع معجزات» ((دار روهولت)، في المرتبة الثالثة من القائمة، ليس مختلفاً كثيراً عن طريق ميكالسن، فهو يتساءل في كتابه عن انعكاسات الأفكار السلبيّة والإيجابيّة، وعن التأثير الذي تتركه الروح في الجسد عموماً.

تعكس قائمة أفضل مبيعات الكتب غير الروائية عادة، الحالة النفسية لدولة أو شعب ما، بصدق أكثر مما تعكسه قائمة مبيعات الروايات، ويعود السبب إلى احتوائها على عدد أكبر من المؤلفين الذين كتبوا «محتوى» أو «مضموناً» خاماً، وعلى عدد أقل من المؤلفات الكبيرة المصنّفة كالأفضل مبيعاً في العالم. ولا تشكّل ألمانيا استثناءً عن هذه القاعدة، فأكثر من نصف الأعمال المدرجة ضمن قائمة البحوث العشرة الأولى ضمن قائمة مجلة «در شبيغل» الأسبوعيّة التي أصدرتها أخيراً، ألمانيّ الهويّة، ويدور الكلام تحديداً عن البحوث الثلاثة الأولى ضمن القائمة المذكورة، فهي تؤكد قاعدة النجاح الذهبيّة في ألمانيا، وهي أنّه عندما يكتب المرء، فمن الأفضل أن يكون امتهن مهنة الطب.

أما الكتاب الذي حلّ في المرتبة الثانية في القائمة فهو «حياة الأشجار السرية» (دار لودفيغ) الذي ألّفه بيتر ووليبي، وما زال يسجّل مبيعات عالية في ألمانيا وفي اللغات التي ترجم إليها وأحدثها الفرنسية. والكتاب يتوزّع بين الحقل العلمي النباتي والفلسفة، وهنا تكمن فرادته.

في المرتبة الرابعة حلّ كتاب المؤرخة البريطانيّة أندريا ولف، وعنوانه «ألكسندر فون هومبولت واكتشاف الطبيعة» (دار سي. برتلسمان)، وتناولت فيه العالم والمغامر الكبير أليكساندر فون هومبولت. ولم يكن مستغرَباً أن تكون ألمانيا الأكثر حفاوةً في استقبال هذا الكتاب الذي وضع أصلاً بالإنكليزية وترجم إلى الألمانية نظراً إلى الشخصية العلمية الألمانية التي تناولها. أمّا كتاب «من كنّا» (دار س. فيشر)، للباحث روجر ويلمسن، فهو يجسّد عادةً تميّزُ ألمانيا عن غيرها، وتتمثّل بإصدار الكثير من الكتب من بعد ممات مؤلفيها. والحال أنّ مؤلّف الكتاب، الذي توفّي سنة 2016، كان كاتباً ومقدّماً تلفزيونيّاً معروفاً. وينطوي كتابه على خواطر وتأملات في المستقبل.

ونظراً إلى أن ألمانيا تحتفَل هذا العام بالذكرى الخمسمئة لبدء الإصلاح (أصدر رائد الإصلاح مارتن لوثر «فرضيات ويتنبغرغ»، سنة 1517) فلا بد من أنّ يصدر عدد لا يُحصى من الكتب حول قضية الإصلاح، ما جعل مارتن لوثر بطلاً قومياً معاصراً. وأبرز هذه الكتب «الراهب المتمرّد، والراهبة الهاربة» (دار غبريال)، الذي احتل المرتبة العاشرة وهو من تأليف كريستيان نورنبرغر وبيترا جرستر.