عبدالله بن موسى الطاير

الملك سلمان يعود من روسيا بعد زيارة ناجحة لموسكو بعثت برسائل كثيرة شرقًا وغرباً ووجدت لها آذاناً مصغية فيما عدا أروقة الأمم المتحدة الصماء. وأي مراقب متابع للسياسة السعودية الخارجية سيلحظ أن القيادة السعودية لا تنظر إلى الخلف، وإنما هي ماضية في تحقيق مشروعها الوطني والقومي.

ماذا لو قالت السعودية لسعادة الأمين العام: نراكم على خير يا أمم يا متحدة، سوف نأخذ إجازة ولن نشارك في أي من برامجكم الإنسانية والإنمائية

الهم الذي حمله الملك سلمان في أول زيارة له لأميركا بعد توليه الحكم هو ذات الهم الذي حمله معه لروسيا، وهو أن الوضع السعودي الداخلي ممتاز، ولكن يهم المملكة استقرار المنطقة. ومنذ زيارة الملك لأميركا في سبتمبر من العام 2015 حتى زيارته حفظه الله لروسيا في أكتوبر 2017م حدث تقدم كبير في ملفات المنطقة العربية؛ العقوبات الأميركية رفعت عن السودان بعد عقود من فرضها. لكن السودان هذا البلد المسالم والركن الأساس في الأمن العربي دفع صداقًا باهظاً لزواج الشر الذي تم على أرضه بين تنظيم القاعدة الإرهابي وإيران وبرعاية الإخوان المسلمين، ومنذ كتابة حسن الترابي لعقد القرآن والإرهاب يضرب في كل اتجاه. تخطيط ودعم إيراني مادي ولوجستي، وتنفيذ قاعدي أهوج، والمأذون يراقب ويتآمر ويصفق. رفع السودان من قائمة العقوبات الأميركية هو هزيمة للإرهاب وتنظيم الإخوان المسمين وإيران.

وفي موقع آخر تعود غزة إلى الفلسطينيين بعد سنوات من الانشقاق الذي أحدثته إيران في الجسد الفلسطيني بمباركة تنظيم الإخوان المسلمون وتمويل وترويج قطري أسهم في توسيع الهوة بين الأشقاء. نستطيع القول: إن الفلسطينيين في الدولة والمقاومة يملكون الآن أجندة واحدة مع بعض التمايز الذي لا أراه يهدد وحدة الصف الفلسطيني.

أما على صعيد تمويل الإرهاب فقد أصبحت البنوك والحكومة القطرية تحت نظر وتصرف الأجهزة الأميركية المتخصصة. وهو ما يضمن قطع شرايين الحياة عن التنظيمات الإرهابية ويحرم إيران من الدعم اللوجستي لخططها التخريبية في الوطن العربي.

القمة السعودية الروسية ستسهم في حلحلة ملفات أخرى عالقة في سوريا واليمن وليبيا، وبخاصة أنها ملفات تتطلب أولاً تطبيقاً حازماً للقرارات الدولية التي صدرت من مجلس الأمن، وثانياً بيئة دولية مواتية لمقاربة الحلول السياسية بما يحافظ على الأمن القومي العربي والسلم والاستقرار العالمي.

ولكن كما يبدو أن إيران ليست الوحيدة التي اشتاطت غضباً من هزيمتها في اليمن والسودان وفلسطين، فالأمم المتحدة ساخطة أيضاً؛ ففي الوقت الذي تسجل فيه المملكة حضورًا دولياً نشطاً هدفه بعث الروح من جديد في منظومة الأمن الإقليمي الذي سينعكس بدون شك على السلم والاستقرار الدولي نجد ملفات هامشية يلقى بها لوسائل الإعلام من على شرفات الأمم المتحدة. لم تكن هذه هي المرة الأولى التي تخطىء فيها الأمم المتحدة الحسابات، فالموقعة الفاشلة الأولى لوضع دول التحالف لإعادة الشرعية في اليمن على قائمة الأمم المتحدة السوداء بتهمة قتل الأطفال لم ينكشف وقع غبارها بعد، لتعاد الكرة في ذات المكان وكأن المملكة أصبحت عدوًا شخصياً لبعض المسؤولين في لجان الأمم المتحدة.

طيب، ماذا لو قالت السعودية لسعادة الأمين العام: نراكم على خير يا أمم يا متحدة، سوف نأخذ إجازة ولن نشارك في أي من برامجكم الإنسانية والإنمائية، وحتى نصيبنا في ميزانية المنظمة لن ندفعه لكم عاجلاً بل مؤجلاً وبالتقسيط الممل، ولتذهبوا وبرامجكم إلى الجحيم. نحن سندير معوناتنا بطريقتنا ولمن نريد، هذا قرار سيادي ومن حقنا اتخاذه. انسحاب المملكة والإمارات من دعم برامج الأمم المتحدة الإنمائية والإنسانية سيحدث فوضى في البرامج الإنسانية ويسبب كآبة لمبعوثي الأمم المتحدة ومكاتبها في الخارج التي لم تُعرف بشيء أكثر من فسادها المالي والإداري.

قرار الأمين العام لا يعني الكثير للمملكة وقوات التحالف ولا حتى للدول الموردة للسلاح، لأنه بكل بساطة يغض الطرف عن المشكل الأساس وهو احتلال مليشيات إرهابية بلداً بأكمله. وكان الأجدر بالأمم المتحدة أن تسأل مجلس الأمن عن مصير تطبيق القرار الأممي 2216 بدلاً من التركيز على تفاصيل ما هي إلا نتائج للانقلاب الحوثي. سوء هذا القرار ليس في ذاته وإنما بما قدمه من ذرائع لوسائل إعلام معادية تشوه العمل السعودي الدؤوب، وتقلل من شأن المنجز الذي حققته المملكة على صعيد العلاقات الخارجية من أجل مستقبل آمن مستقر للدول العربية. وما دام أن الأمم المتحدة لا تقدر حضورنا، فدعوها تجرب غيابنا.