عبدالعزيز المقالح

لأول مرة - منذ ظهوره- يبدو الرئيس الأمريكي دونالد ترامب متعقلاً لا ينساق بعيداً مع أهوائه، عندما قال، وأكد أن الجريمة البشعة التي تمت في مدينة «لاس فيجاس» كانت غير إرهابية، وأن المجرم الذي ارتكبها أمريكي مهووس يعاني اضطرابات نفسية. والرئيس ترامب بهذا التصريح يرفض تلك المزاعم التي أطلقها إعلام اللوبي الصهيوني بعد دقائق معدودة من حدوث الجريمة، زاعماً أن المجرم أمريكي مسلم اعتنق الإسلام قبل بضعة أشهر، وأنه تلقى توجيهات من «داعش» للقيام بتلك العملية الإرهابية التي هزّت وجدان الأمريكيين، وغيرهم من البشر، وفي مقدمتهم المسلمون. 

وإعلام اللوبي الصهيوني ودوره في تشوية الحقائق وتحميل العرب والإسلام كل الأوزار التي تقع في أي مكان من العالم، هو شأن اعتادت عليه وسائل إعلامه الصهيوني واسعة الانتشار، ودورها في الولايات المتحدة الأمريكية أكثر من واضح ومفضوح، وتركيزها على تعميق الصراع ضد كل ما هو عربي وإسلامي ليس جديداً، ولا يقتصر على الولايات المتحدة وحدها، وإنما يمتد إلى كثير من بقاع العالم، وهي تلتزم القاعدة المعروفة «اكذب ثم أكذب ولابد أن تجد من يصدقونك».

من هنا، فقد جاءت تصريحات الرئيس الأمريكي بعد إعلان الجريمة مباشرة صفعة مقصودة، أو غير مقصودة، في وجه إعلام اللّوبي وتكاد تؤكد أن الرجل في طريقه إلى أن يعي دوره كرئيس لدولة عظمى تتحمل المسؤولية الأولى في المرحلة الراهنة نحو حفظ الاستقرار والتوازن في العالم. ويُلاحظ أن عدداً من مستشاريه يدركون هذه الحقيقة جيداً، وأنهم لا بد قد أدركوا هدف القوى المعادية للعرب والإسلام. وسيكون من مصلحة الدولة العظمى أن تنطلق أحكام قادتها من مواقف موضوعية حيادية، وأن يكون المؤثرون في القرار السياسي على علم ووعي بما تديره بعض القوى الخفية من مكائد ومؤامرات دولية لإرباك نهج الدولة الأمريكية، وإبعادها عن دائرة العدل والأنصاف، ويكفي ما أوقعته فيها تلك المكائد الهادفة بالدرجة الأولى إلى رفع منسوب العداء للدولة الأمريكية ومحاصرتها بمناخ من الكراهية والحقد اللامحدود. 

هنا، يمكن التأكيد على الحقائق الموضوعية بشأن الإرهاب المدان إنسانياً وأخلاقياً ودينياً، وأنه وباء كوني لا جنسية له، ولا دين، وفي الوقت ذاته فالإرهاب أشكال وأنواع، وكلها مدانة ولا تبرير لأي شكل أو نوع، وإن كان لبعض تلك الأشكال دوافع لم تُدْرس بما فيه الكفاية، ولم يكتشف الباحثون الأسباب الكامنة وراءها. ولعل أسوأ أنواع الإرهاب، وأكثرها بشاعة وجرماً هو ذلك الذي تقوده العشوائية، ويذهب ضحيته الأطفال والأبرياء من الناس الذين لا ذنب لهم، ولم يقترفوا في حياتهم ما يعّرضهم لهذه الكوارث المرعبة. وواضح أن جزءاً كبيراً من هذه الأفعال الإرهابية الشنيعة يتم في الولايات المتحدة منذ عشرات السنين، ونماذجه واضحة في اغتيال أطفال المدارس، والهجوم على أماكن الألعاب والترفيه. وهذا النوع من الإرهاب صناعة أمريكية خالصة، وحقوق التأليف والإخراج محفوظة لهذا البلد الذي ارتفع فيه مستوى الرفاه ووصلت فيه الفوارق في كل شيء حداً فاق كل المقاييس والتصورات. 

إن الإرهاب جزء من مشكلات العالم وليس كل المشكلة، فهناك مئات الملايين من البشر ينهش الجوع أجسادهم، ومئات الملايين ممّن تفتك بهم الأمراض والأوبئة. والالتفات الجاد من الدول الكبرى نحو هذه القضايا، وغيرها، يشكل مدخلاً حقيقياً إلى حلول ناجعة لبقية المشكلات، ويجعل استئصالها سهلاً يسيراً ولكنها - أي الدول الكبرى - غافلة، أو تتغافل.