حسام محمد (القاهرة)

انتشرت في الفترة الأخيرة إعلانات الدجل والشعوذة التي يزعم أصحابها أنهم يمتلكون القدرة على تسخير الجن في خدمة المرضى، أو أنهم من القادرين على شفاء الأمراض، سواء كانت نفسية أو عضوية وعجز الطب عن إيجاد العلاج الشافي لها، ليس هذا فحسب، بل انتشرت أيضاً ظاهرة تعرف بتوليد الدولارات عن طريق السحر أو الجان، وهكذا أصبح بضاعة هؤلاء رائجة في الكثير من مجتمعاتنا، فهناك من ينخدعون بهذه الإعلانات، ويستخدم بعض النصابين أيات القرآن وأحاديث النبي في إعلاناتهم لخداع البسطاء وهكذا وقع الناس في شراك السحرة والدجالين.

خداع الناس

يقول الدكتور حامد أبو طالب عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر: للأسف، فإن انتشار إعلانات الدجل والشعوذة ساهم في خداع الناس في مجتمعاتنا في ظل وجود بعض الأمراض المستعصية ونجح الدجالون في جني المليارات من جيوب المرضى وغيرهم وكعادة الدجال في كل زمان ومكان، فإنه يلعب على وتر الحاجة لدى الإنسان، فهذا مريض في حاجة إلى الشفاء، وهذا فقير يريد الثراء، وهذه فتاة تبحث عن الزوج، وهكذا تنتشر الشعوذة حين يشعر الناس بالعجز وتغيب الشفافية، وينعدم الأمل في تحقيق الأهداف بالطرق المعهودة، ولا تبدو بارقة أمل في انصلاح الأحوال، هنا يتعلقون بقوى خفية أو قدرات سحرية تتجاوز حدود الواقع ولا تعتمد على قدراتهم المكبلة أو الممنوعة من الحركة والفعل، على الرغم من أن مروجي الخرافات والمشعوذين والدجالين يستغلون المفاهيم الدينية ويفسرونها على هواهم ليبرروا سلوكهم وأفعالهم ويتستروا بها، إلا أن صحيح الدين ضد كل هذه الأشياء، فكثير من آيات القرآن الكريم تنتهي بعبارات مثل: «لعلهم يعقلون»... «لعلهم يتفكرون».

يضيف د. أبو طالب: لا بد أن يكون المؤمن فطناً، فالدجالون والمشعوذون يدّعون مقدرتهم على مضاعفة الأموال وفك الأعمال السحرية وإذا تمعن الإنسان قليلاً يدرك أن هذا الذي أمامه ليس سوى دجال، فإذا كان يملك مقدرة مضاعفة الأموال، فما الذي يجعله يخرج للعمل والأجدر به أن يجلس في بيته ويقوم في كل يوم باستخراج أموال تجعله من أغنياء العالم، لهذا فالأولى أن يقوم من هو في حاجة إلى مال بالعمل والجد والاجتهاد حتى يتحقق له الغنى بالحلال، أما من يتخيل أنه مسحور أو مريض بمس، فعليه أن يحصن نفسه بالقرآن الكريم ويكفي أن يعتقد المسلم بأن القرآن الكريم فيه شفاء، فيقرأ وينفث على نفسه مباشرة أو على ماء يشربه بعد الرقية ويمكن أن يقرأ فاتحة الكتاب وآية الكرسي وأوائل وخواتيم سورة البقرة وقل يا أيها الكافرون والمعوذتين.

نهي عن السحر
ويقول الدكتور محمد الشحات الجندي عضو مجمع البحوث الإسلامية وأستاذ الشريعة بجامعة حلوان بالقاهرة، إن الإسلام حذر من الذهاب إلى الدجالين أو من يزعمون قدرتهم على السحر لقول الرسول صلى الله عليه وسلم «من ذهب إلى عراف أو كاهن فصدقه كفر بما أنزل على محمد»، أما حكم الذي يتعمد الضرر بالآخرين بالسحر فهو مفسد لقوله تعالى: (... مَا جِئْتُم بِهِ السِّحْرُ إِنَّ اللَّهَ سَيُبْطِلُهُ إِنَّ اللَّهَ لَا يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ)، سورة يونس: الآية 81»، وهذا الذي يظن أنه تعرض للسحر أو الحسد يستطيع علاج نفسه دون اللجوء لمن يخدعونه أو يبتزونه، وذلك عن طريق أذكار الصباح والمساء، قراءة سورة البقرة كل ثلاثة أيام مرة لقوله صلى الله عليه وسلم «اقرؤوا البقرة فإن أخذها بركة ولا تستطيعها البطلة»، وقراءة آية الكرسي، وقد نهى النبي عليه الصلاة والسلام عن السحر والكهانة وعن تصديق أصحابها، قال: «ليس منا من تطير أو تطير له، أو تكهن أو تكهن له، أو سحر أو سحر له، ومن أتى كاهنا فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد»، وبيّن النبي صلى الله عليه وسلم، أن الذي خلق الداء خلق معه الدواء، فقال «تداووا ولا تتداووا بمحرم» وقال «إن الله جعل لكل داء دواء إلا السام» والمقصود بالسام هو الموت، ومن ثم فيجب على الإنسان عندما يصيبه مرض أن يلجأ إلى الطبيب ليقرر له الدواء المباح، ولكن أحياناً يكون الابتلاء شديداً، فيتأخر الشفاء لأن الطبيب والدواء وسيلة، أما الشافي فهو الله سبحانه وتعالى ويجب على الإنسان أن يعتقد أن الله هو القادر على شفائه فقد نسب سيدنا إبراهيم الشفاء إلى الله، فقال «وإذا مرضت فهو يشفين».

ضعف النفس
أما الدكتورة هدى عبدالحميد أستاذ الفقه بجامعة الأزهر فتقول، إن أهم أسباب لجوء البسطاء وأحياناً المثقفين للدجالين ومحترفي النصب على الناس بالسحر هو ضعف النفس البشرية، فنتيجة لهذا الضعف إيمانياً وعدم الجزم واليقين بقدرة الله سبحانه وتعالى فيشرك الإنسان مع الله غيره من البشر في البحث عن العلاج، وسواء كان هذا البشر متخصصاً أو غير متخصص فيميل إليه وينسى الله نتيجة جهله من ناحية وضعف إيمانه من ناحية أخرى والسير وراء الموروثات الشعبية التي تنسب قدرات خاصة لبعض الأشخاص وأن اختلفت صوره، وقد ساعد على انتشار هؤلاء بعض الفضائيات التجارية التي تقوم بالإعلان عن أشخاص ذوي قوى خارقة يقومون بالشفاء من الأمراض المزمنة منها الإنجاب أو أمراض السكر والكبد والسرطان وغيرها عن طريق الشعوذة والدجل مع أن العلم قد تطور في العلاجات الطبية التي تصدر عن أهل الخبرة.

تضيف د. هدى: مواجهة تلك الظاهرة لابد أن تبدأ بالدعاة وعلماء الدين المطلوب منهم أن ينكروا هذا الضلال بالقول ويوضحوا هذا الباطل بالحجة والبرهان، كما يجب على وسائل الإعلام أن تكشف هذه الخزعبلات وتوضح فساد عقول هؤلاء، فالإسلام حارب السحر والشعوذة والكهانة والخرافة وغيرها من الظواهر التي تعطل ملكة التفكير عند الإنسان المسلم وتجعله أسيرا للوهم لمن يسوقه من السحرة والعرافين الذين يستغلون حاجة الناس وجهلهم بالعلم الشرعي وبعدهم عن الكتاب والسنة.


تغليظ العقوبة
حول كيفية مواجهة هؤلاء الدجالين، قال د. محمد الشحات الجندي: لا بد من نشر الثقافة الإسلامية الصحيحة حتى يعي كل مسلم خطورة اللجوء للسحر والدجالين على عقيدته، وعلى الجانب الآخر لا بد من تغليظ عقوبة الدجل والشعوذة، والتأكيد من خلال أجهزة الإعلام أن الدول لا تتهاون في أي وقت في محاربة المشعوذين والدجالين، وتأكيد أنه يتم إنزال أقصى العقوبة بمن يتعاطى السحر أو يروج له، بحيث نعمل على سد كل ثغرة يمكن أن ينفذ منها هؤلاء المشعوذون والدجالون.