سمير عطا الله 

لا يمر عام من دون صدور مجموعة من الكتب عن ستالين وهتلر، العدوّان اللذان طبعا القرن العشرين وتاريخ الإنسانية، بأعمق الجروح التي عرفتها البشرية. كيف وأين لا يزال المؤلفون والمؤرخون يعثرون على مادة إضافية، غير معروفة، لا ندري. والغالب أنها مجرد نظريات واستخلاصات جديدة استناداً إلى وثائق ودراسات قديمة.


لفتت نظري دراسة عن هتلر تقول إن صعوده إلى ذروة الزعامة في ألمانيا، كان مناقضاً تماماً لطبيعة وتقاليد المجتمع الألماني. ففي عكس المجتمعات الأوروبية الأخرى، التي شهدت صعود قادة من أوساط العامة، مثل لويد جورج في بريطانيا، وموسوليني في إيطاليا، كان المجتمع الألماني، طبقياً إمبراطورياً. وكان ضباط الجيش ينتمون إلى العائلات الأرستقراطية، ويتخرجون من كبار الجامعات. ومع ذلك فإن هذا الجيش الذي كان مرة جيش بسمارك، موحد ألمانيا، سار في حماس عجيب خلف رقيب أول سابق في الجيش النمساوي، ولا ينتمي في جذوره إلى أي عائلة معروفة في النمسا أو ألمانيا.
لذلك، لم يلتفت أحد إلى وجوده في البداية، ولم يؤخذ على محمل الجد. وكانت الصحف ترى أن ظاهرة «الخطيب الصغير» سوف تنتهي غداً أو بعد غد. لكن ألمانيا فوجئت به يصل إلى مرتبة المستشار عام 1932. وحتى آنذاك لم تعتقد أن الظاهرة سوف تستمر، أو أن الرجل سيشعل أوروبا، ثم يضع العالم أجمع في حالة حرب. كان هتلر يفتقر إلى صفتين أساسيتين يصر عليهما الألمان: النسَب والثقافة. لكنه استطاع أن يضع الشرطين خلفه، وهو يكتسح يوماً بعد آخر، أرقى المجتمعات الأوروبية. لقد نثر الوعود بجميع الفئات، يميناً ويساراً. كل فئة أعطاها ما تريد أن تسمع، مهما كان ذلك مناقضاً لمنطق الأشياء. وعلى سبيل المثال وعد الباعة الصغار بأنه سوف يغلق المخازن الكبرى. ولا تزال هذه المخازن تتوسع حتى اليوم، فيما لا تزال الدكاكين الصغيرة تختفي حتى اليوم. حتى اتفاقات تقاسم السلطة مع الأحزاب الأخرى، أنكرها فور وصوله. والطبقة العاملة التي وعدها «بالتحرر من العبودية» أصبحت أشد فقراً. فقط الطبقة الصناعية التي رأت فيه سداً في وجه الشيوعية، رأت نفسها تزدهر، خصوصاً مع ازدهار صناعة السلاح.
هل كانت الظاهرة في الحقيقة، أدولف هتلر، أم الشعب الألماني الذي سار خلفه حتى لم يبقَ في البلاد حجر على حجر؟ أليست الأمور حقاً بخواتمها؟