سليمان جودة 

عادت حركة الوساطة تنشط في الخليج من جديد، أملاً في أن تقطع الأزمة بين دول الرباعي العربي، وبين قطر، خطوة إلى الأمام!
وتجسدت الحركة هذه الأيام في مشهدين اثنين؛ أحدهما زيارة قام بها أمير الكويت، الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح، إلى الرياض، حيث التقى الملك سلمان بن عبد العزيز، والثاني بدا في جولة بدأها من العاصمة السعودية، وزير الخارجية الأميركي، ريكس تيلرسون، الذي طار بعدها إلى الدوحة، ومنها أكمل جولته إلى باكستان، والهند، وسويسرا.
ويمكن القول: إن الوساطة في الأزمة انحصرت منذ البداية في وساطتين؛ كويتية، ثم أميركية من بعدها، أو بالتوازي معها!
والشيء اللافت أن الوزير الأميركي أدلى بتصريحين عند بدء زيارته للسعودية، وعند ختامها، وأن التصريحين كانا متشائمين، وكانا في اتجاه واحد. فقبل بدء الزيارة قال لوكالة «بلومبيرغ»، إنه لا يرى حلاً قريباً للأزمة! وهو كما ترى، كلام مناقض لما كان قد صدر عن الرئيس الأميركي دونالد ترمب الذي قال في أثناء الدورة السنوية للأمم المتحدة، في سبتمبر (أيلول) الماضي، إن حل الأزمة قريب!
وحين انتهى تيلرسون من زيارته إلى المملكة، أطلق تصريحاً آخر في الاتجاه ذاته، فقال ما معناه أن الفجوة بين الطرفين عميقة، وأن ذلك يُعقِّد فرص الوصول إلى تسوية، وأن الرياض غير مستعدة في الوقت الحاضر لبدء حوار مع الدوحة حول الأزمة!
ولو أن وزير الخارجية الأميركي سأل نفسه عن سبب وجود الفجوة التي يشير إليها، وعن دواعي تعقّد الأزمة، وعن مُسببات تضاؤل فرص التوصل إلى تسوية، لكان قد أدرك أن دول الرباعي لها مطالب من الطرف الآخر، وأنها مطالب لا تتدخل في سيادة، ولا تتجاوز القانون الدولي، كما تقول قطر وتردد دائماً، ولكنها مطالب بتعديل سياسات ضارة بالدول الأربع، دأبت عليها الحكومة القطرية من سنين!
ولم يكن مطلوباً من الولايات المتحدة، عند بدء الأزمة في الخامس من يونيو (حزيران) الماضي، وليس مطلوباً منها اليوم، سوى أن تمارس ضغطاً حقيقياً على أهل الحكم في الدوحة، في اتجاه الاستجابة لمطالب الدول الأربع، لا أكثر؛ لأن الإدارة الأميركية تعرف أن المطالب ليست تعجيزية، ولا هي غير عملية، كما يجري تصويرها من جانب الطرف الآخر للأزمة، في كثير من الأحيان!
ولكن واشنطن لا تضغط كما يجب، ولو ضغطت لكانت هناك نتيجة على الفور؛ خصوصاً أنها قادرة تماماً على الضغط، وعندها وسائلها المؤدية دائماً إلى حصيلة عملية على الأرض، إذا أرادت!
ولا يزال تقديري أنه من الخطأ أن نراهن على دور أميركي حقيقي في حل الأزمة؛ لأن أي مراجعة متأملة للموقف الأميركي في جوهره منذ اللحظة الأولى، سوف تقول لنا بوضوح، إن الرهان على دور لواشنطن، يجب أن يكون محسوباً، وأن يكون في حدود ضيقة جداً، وأن يكون حذراً، فما يصدر عن ترمب يصدر عكسه عن تيلرسون، وما يقوله هذا منهما يبدده ذاك منهما أيضاً في اليوم التالي!
ولا تزال عندي قناعة تامة بأن الحل إذا لم يكن عربياً خالصاً، من نوع ما تقوم به الكويت، فلن يكون، ولا بد أن المراقبين لمسيرة الأزمة منذ بداياتها، يستغربون غياب الجامعة العربية عنها، فهي جامعة، وهي عربية، والدول الخمس أطراف الأزمة، أعضاء فاعلة فيها، وفي مقدورها أن تقوم بدور إيجابي للغاية، فتقطع الطريق به على الذين يصورون لنا أنهم جادون في القيام بمساعي الحل، بينما هم في الحقيقة، بينهم وبين أنفسهم، راغبون في أن يطول أمد الأزمة، ويطول!
ولقد كانت السعودية واضحة، منذ أول يوم، في رسم إطار للحل، يجب أن يمشي فيه، وكان ذلك وقت أن أعلن عادل الجبير، وزير الخارجية السعودي، من ألمانيا، أن الأزمة عربية، ولا بد أن تبقى عربية، وأن مشكلة الدول الأربع ليست أبداً مع الشعب القطري، ولكنها مع النظام الحاكم في قطر، وبالأدق مع سياسات هذا النظام تجاه جيرانه، وغير جيرانه، من العرب!
وأعتقد أن الإطار العربي الخالص، هو الإطار الذي تتحرك فيه الكويت، بهدوء، وبنفس طويل، وبحكمة، اشتهر بها كلها الشيخ صباح الأحمد، منذ أن كان وزيراً لخارجية بلاده لسنوات طويلة.
وأعتقد كذلك أن هذا هو بالضبط الفارق بين الوساطة الكويتية وبين الوساطة التركية. فلقد جرّب الرئيس التركي رجب طيب إردوغان القيام بدور في البداية، وزار السعودية من أجل هذا الهدف فعلاً، ولكن المشكلة كانت في أن انحياز الجانب التركي إلى الطرف الآخر عليه شواهد كثيرة، وليس في حاجة إلى دليل!
وفي مؤتمره الصحافي مع تيلرسون، في الدوحة، هذا الأسبوع، أشاد محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، وزير خارجية قطر، بالدور الذي تقوم به الكويت في اتجاه الحل، ولم يلتفت الوزير القطري وهو يتكلم عن دور كويتي إيجابي وعن إشادة به، إلى أن المطلوب ليس الإشادة بالدور الكويتي، وإنما التجاوب معه، باعتباره الدور الوحيد الذي يسعى إلى تحقيق نتيجة للدول الخمس على الجانبين، دون انتظار ثمن لمسعاه!
ولو تجاوبت سلطات الدوحة مع مسعى الشيخ صباح، منذ البداية، لكان في إمكانها أن توفر على نفسها عناء سحب عشرين مليار دولار من صناديقها الاستثمارية، لمواجهة النقص الذي تجده بنوكها في العُملة الأميركية الخضراء! فالكويت تبحث في قطر عن التجاوب مع ما تطلبه، قبل أن تنتظر إشادة بما تفعله، والتجاوب في حقيقته هو إشادة مضروبة في اثنين!