سمير عطا الله

 كان الرئيس الأميركي السابق دوايت أيزنهاور على سرير المرض، عندما أبلغه ريتشارد نيكسون أنه سوف يتخذ هنري كيسنجر مستشاراً للأمن القومي في إدارته، فاعترض أيزنهاور قائلاً: «ولكن كيسنجر أستاذ جامعي، وإنك لتطلب من الأساتذة درس القضايا، وليس اتخاذ القرارات فيها».

يُعتبر غسان سلامة من أبرز أساتذة العلوم السياسية في فرنسا. وعندما عُيِّن مبعوثاً أممياً إلى نزاعات ليبيا، تذكرت أن السادة الأساتذة كانوا من أنجح الوزراء في حكومات لبنان. والعام 1970 شكَّل الرئيس صائب سلام حكومته كلها من الأساتذة، وبينهم غسان تويني، الذي مارس التدريس الجامعي سنوات عدة. 
وكان الدكتور شارل مالك، كبير أساتذة الفلسفة في الجامعة الأميركية، عندما عينه الرئيس كميل شمعون وزيراً للخارجية. وعاد الرئيس أمين الجميل فعين الدكتور إيلي سالم في المنصب نفسه، بعدما كان عميداً لكلية العلوم السياسية في الجامعة نفسها.
هناك شك عام في مقدرة الأكاديميين على اتخاذ القرارات؛ لكن شواذ القاعدة أهم من القاعدة نفسها. طه حسين لا يزال يُذكر على أنه أهم وزير تربية في مصر. وجون كيندي جاء بوزير خارجيته دين راسك من كرسي الجامعة. وكان خلفه ليندون جونسون أستاذ مدرسة ثانوية. وقال عن تلك المرحلة: «كان تلامذتي فقراء، غالباً ما يحضرون إلى الصف جائعين دون فطور».
هل من الفطنة أن تكلِّف لبنانياً حلَّ العُقد الليبية؟ ربما كانت الخبرة مفيدة هنا. وربما كانت الدروس في الصبر الجميل مفيدة هي أيضاً. وربما كانت الدراية بالحساسيات المناطقية والقبلية والعشائرية ميزة إيجابية؛ لكن ذلك كله لا يكفي، ولا كفاءات سلامة المتعددة، فلا بد من أن ندعو للوسيط وللفرقاء معاً، بالكثير من حسن الحظ. فإعادة توحيد النفوس في ليبيا عملية مشابهة لمحاولات لبنان في هذا الباب.
وكما تعرفون، هو باب دوَّار يؤدي من جهاته جميعها إلى أنفاق مثل ورق الملفوف، أو بالأحرى مثل بصلة الألماني غونتر غراس: كل قشرة بدمعة. لكن هذا لا يمنع أن غسان سلامة يحاول أن يصنع التاريخ من خلال المصالحة، كما صنعه مواطنه السيناتور جورج ميتشل في آيرلندا. وكم هما متشابهان في الطبع والكفاءة.