فـــؤاد مطـــر 

في الوقت الذي يزداد تهجير سوريا عن فضائها العربي، وبات شعار «أمة عربية واحدة ذات رسالة خالدة» مطموساً بـ«كونغرس شعوب سوريا» حلاً بتسمية ومسعى من جانب روسيا، احتضنت الرياض، شعباً وقيادة، مهمومة بالأقطار الشقيقة وبالذات الذين تزداد العين الإيرانية احمراراً عليهم، كوكبةً من أهل الحكم العراقي بعيدي النظر يتقدمهم رئيس الحكومة حيدر العبادي، أتوا تلبيةً لدعوة من القيادة السعودية التي لم يفارق القلق تفكيرها في أحوال العراق. 

كان القدوم العراقي إلى الرياض بمثابة حالة فرح على المستوى الشعبي العراقي تشبه في بعض ملامحها الاستبشار خيراً بعوائدها حالة فرح سبقتْها هي تلك التي حققها المسعى السعودي لرفع العقوبات الأميركية عن السودان، وحالة فرح يمكن أن تُحقق لاحقاً للبنان، إذا هو حذا حذو السودان.
كما يمكن أن تتحقق في حال أمكن الرئيس بشَّار الأسد فتْح نوافذ تدخل منها النسائم العروبية إلى سوريا، التي تتكبد من إحكام القبضة الإيرانية على قرارها السيادي، المزيد من التفتت الذي وصل على نحو ما بدأنا به الكلام، إلا أن الحل للمحنة السورية هو في «كونغرس شعوب سوريا» وهذا ما يطرحه الحليف الروسي.

هنا يجد المرء نفسه يتساءل: ما الذي كان يمنع الإقدام على خطوة تندرج في سياق الحنكة العراقية التي اغتنمت بادرة الحكمة السعودية وجعلت المستبعَد يصبح ممكناً، والمستهجَن يصبح قراراً سيادياً، وتتطور الأمور بخطوات مدروسة ومتأنية، بحيث يستعيد الحضور حيويته بين بغداد والرياض جواً وبراً كأنما لا قطيعة بعد الآن؟ ثم ينتهي مفعول اعتماد «إنما الأعمال بالنيات» إلى أن «مجلس التنسيق السعودي – العراقي» الذي وقَّعه الملك سلمان بن عبد العزيز ورئيس الحكومة العراقية حيدر العبادي يوم الأحد 22 أكتوبر (تشرين الأول) 2017، وكان وزير خارجية الولايات المتحدة ريكس تيلرسون شاهد خير على هذه الخطوة، بات واحداً من مجالس تنسيق أقامتها المملكة مع دول كثيرة، وغرضها من ذلك أن تكون العلاقات مصونة ومستقرة. 
وعند استحضار مجالس سابقة يمكن القول، بالنسبة إلى المجلس الأحدث، إن صيانته والحفاظ على استقراره وتنفيذ بنوده مضمونة من الجانب السعودي، لكن يخشى المرء أن يتسبب الجار الإيراني بالتشويش على هذه الخطوة الرائدة لقطع الطريق على ترحيب الناس بها.
في الكلمة التي ألقاها الملك سلمان في اجتماع التوقيع على محضر تأسيس المجلس، استعاد في خاطره، وهو خير ذاكرة وأغناها، علاقات من الزمن الغابر كانت في كل المراحل تؤكد كم أن السعودية مهمومة ومهتمة بالعراق عندما تباغته الشدائد. ولنا على سبيل المثال مواقف الملك فهد بن عبد العزيز عندما اشتدت الوطأة الخمينية على العراق، وكيف اعتُبرت زيارته، بعد انتهاء الحرب مع إيران، للعراق يوم السبت 25 مارس (آذار) 1989 من جانب أهل الحكم زمنذاك أنها «عرس عربي في بغداد». ثم في مناشدات الملك عبد الله بن عبد العزيز وتحديداً «نداء الغيور» الذي وجَّهه يوم السبت 30 أكتوبر 2010، وبينما تعصف الأزمة السياسية في العراق مهددة وحدته، إلى رئيس الجمهورية (زمنذاك) جلال طالباني وجميع الأحزاب والفعاليات السياسية، داعياً إياهم إلى أن يلتقوا بعد موسم الحج في الرياض، ويتحاوروا تحت مظلة الجامعة العربية من أجل حل معضلة تواجه تشكيل الحكومة، التي طال الأخذ والرد فيها نتيجة تدخلات إيرانية بالغة الخشونة. وبعدما بات الأمير محمد بن سلمان ولياً للعهد، فإن مسألة الالتفاف حول العراق في مواجهة الالتفاف الإيراني عليه، أصبحت ضمن أولويات رؤيته التي يترجم فيها ما حدده خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز في الخطاب الأول له والذي هو خطاب البيعة. ففي ذلك الخطاب الذي ألقاه يوم الثلاثاء 15 مارس 2015 في قصر اليمامة حدد واجبه نحو الأمتيْن على النحو الآتي: «إن سياسة المملكة الخارجية ملتزمة على الدوام بتعاليم ديننا الحنيف الداعية للمحبة والسلام، وفقاً لجملة من المبادئ، أهمها استمرار المملكة في الالتزام بالمعاهدات والاتفاقيات والمواثيق الدولية، بما في ذلك احترام مبدأ السيادة، ورفْض أي محاولة للتدخل في شؤوننا الداخلية، والدفاع المتواصل عن القضايا العربية والإسلامية في المحافل الدولية بشتى الوسائل، وفي مقدمة ذلك تحقيق ما سعت وتسعى إليه المملكة دائماً من أن يحصل الشعب الفلسطيني على حقوقه المشروعة، وإقامة دولته المستقلة، وعاصمتها القدس الشريف. كما أننا سائرون إلى تحقيق التضامن العربي والإسلامي بتنقية الأجواء وتوحيد الصفوف لمواجهة المخاطر والتحديات المحدقة بهم».
وهو منذ ذلك التحديد - الوعد الذي أرفقه بالابتهال إلى الله أن «يمده بعونه ويرزقه اتباعه ويريه الباطل باطلاً ويرزقه اجتنابه» يبذل ما هو الجهد الواجب لوضع خريطة طريقه هذه موضع التنفيذ. وما يبعث الطمأنينة في النفس العربية – الإسلامية أن ولي عهده في كامل اليقظة لكي تأخذ بنود الخريطة تلك طريقها نحو التنفيذ والصون. وما «العهد السعودي العراقي» الجديد المتمثل بـ«مجلس التنسيق» الذي اعتبره الملك سلمان «فرصة تاريخية» سوى أنه من تلك البنود. بل لعله - قياساً بأحوال بالغة التعقيد والمرارة تعيشها الأمة - هو البند الأكثر أهمية والباعث في النفس العربية – الإسلامية نسائم من الطمأنينة.