سمير عطا الله 

في الثالث من هذا الشهر غاب الزعيم الكردي جلال طالباني، وفي الثلاثين منه تنحّى منافسه التاريخي مسعود بارزاني عن رئاسة الإقليم. لا علاقة للقدر بالسياسة، لكن بعد غياب الأول، وعودة الثاني إلى «صفوف النضال في البيشمركة»، علامة من علامات الصراع الكردي الأبدي. ففي خطاب التنحي، اتّهم بارزاني جماعة طالباني «بالخيانة العظمى». وكنا نعرف أن هناك حزباً رئيسياً ثالثاً يعادي الفريقين هو الحزب الديمقراطي الكردي بزعامة عبد الله أوجلان، المسجون في تركيا.

للذين يقلقهم «عزل» زعماء الأحزاب الثلاثة الكبرى، الرجاء أن يطمئنوا. فخبيرنا في الشؤون (أو الشجون) العراقية الزميل عدنان حسين، يبلغنا أن في إقليم كردستان 32 حزباً. هل تعرف أين يمكن أن تجد الرقم نفسه؟ في أرمينيا. تتشابه أحوال الشعوب المتشابهة القضايا في كل شيء، خاصة في أرقام الحظ.
والأكراد في طليعة الشعوب التي تعاني من سوء الحظ، في الداخل والخارج. الأرمن استعادوا دولتهم واستقلالهم، وما يزال الأكراد ينتشرون في أربعة بلدان من دون حكم ذاتي. الأكراد والأرمن وجماعات كثيرة، تحب هويتها حتى الموت أيضاً. تقاتل المسيحيون في لبنان مع الطوائف الأخرى، لكن المعارك الكاسرة كانت فيما بينهم. والشاحنات المفخخة التي تقتل 370 شخصاً في الصومال يعرف أصحابها أن الضحايا لن يكونوا من السويد، بل من أهلهم وأبريائهم. وفي حرب بارزاني - طالباني، كان الجاني والضحية كردياً.
وفي تراجع المسألة الكردية الآن، بسبب تهور بارزاني و«خيانة الآخرين»، الخاسر واحد. وإذ يعتب الرجل على تخلي الأصدقاء، وفي مقدمتهم الولايات المتحدة، ينسى أمرين جوهريين في السياسة، أولهما لا يمكن الاعتماد على واشنطن في النَفَس الطويل، والثاني أنها حذرته علناً من مجازفة واضح أن هذا ليس وقتها، ولا ظروفها.
النكسة ليست لبارزاني وحده، بل للإقليم الذي اضطر إلى «إعادة» الكثير من الصلاحيات إلى بغداد، بعدما مارس استقلالية لسنوات من دون اعتراض. الآن سوف تعود قرارات ومواقف ومواقع أربيل إلى صراعات السياسة في العراق. ولن تبتعد عائلة بارزاني كثيراً عن مقاليد الزعامة. لكن مرحلة جديدة سوف تبدأ، حتى لو كانت بزعامتها.