هاشم عبده هاشم

3 تحديات داخلية و5 خارجية.. وراء «التحول» نحو المستقبل الجديد

دخولنا إلى العالم الافتراضي.. أوجب تغييرات جوهرية في التفكير وفي التخطيط


•• ينبغي الاتفاق (أولاً) على أن المملكة تقف اليوم أمام مرحلة تاريخية جديدة.. وأن لكل مرحلة من المراحل في حياة الدول والشعوب مكاسبها وخسائرها.. وأن ما يحدد حجم تلك المكاسب والخسائر في النهاية هو.. مدى القدرة والكفاءة في التخطيط للمستقبل، مع الأخذ في الاعتبار كل المعطيات السياسية.. والأمنية.. والاقتصادية.. والثقافية.. والاجتماعية.. ووضع كافة الاحتمالات أمامنا.. بسبب موضوعي هو أن الدول والشعوب لا تملك وحدها إمكانية السيطرة على مجمل الظروف والمعطيات والمستجدات بحكم تشاركها مع أطراف أخرى في الحياة.. وفي التعرض لما قد يحدث أو يستجد في أي وقت من الأوقات..

•• ذلك هو النمط «التقليدي» في التفكير.. والتخطيط الذي عرفه العالم باستمرار.. وظل معه أسير الاعتقاد بأن كل جيل فيه يعيش أصعب المراحل وأقساها في التاريخ.. مع أن الحقيقة تقول إن جميع مراحل التاريخ قد شهدت من الأخطار.. والانكسارات.. بل والانهيارات.. ما كان يُظن معه أن الحياة ستتوقف عند ذلك الحد.. وإن ثبت العكس بعد ذلك..

•• وبعد كل هذه الأزمنة المليئة بالتشاؤم والإحباطات يجيء الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز.. ليقول لهذا العالم.. دعونا وتلك النظرة «القاصرة».. وتلك الروح «الانهزامية» ولنركز على العمل من أجل المستقبل بعقلية «خلاقة» و«مبدعة» و«مبتكرة».. وفتح أعيننا على عوالم جديدة ومضيئة.. وقابلة للتحقيق من خلال طرحه لمشروع المدينة الفاضلة.. وكأنه يأخذنا إلى عالم الخيال العلمي.. إلى نمط مختلف من الحياة المرتقبة لما بعد عشرين أو ثلاثين سنة قادمة..

•• هذه المفاجأة الجديدة.. تعكس لنا شخصية الأمير الشاب الذي يفكر باستمرار خارج المألوف.. ليسبق العصر الذي نحن فيه.. ويحرضنا على أن نتخلص من حالة الاستسلام.. والتشاؤم.. ومن السوداوية التي يعيشها إنسان هذا العصر.. ولا سيما في منطقة الشرق الأوسط التي تعيش وسط أزمات حادة.. ومتلاحقة.. أدخلت اليأس إلى قلوبنا.. وجعلتنا نقلق كثيراً عند التفكير في مستقبل أجيالنا.. بفعل ما قد تتعرض له أوطاننا من أخطار.. ومؤامرات.. قد تصل بها حد التدمير.. وبنا حد الهجرة.. والاغتراب.. وحالة ضياع الهوية.. كما حدث لشعوب كثيرة من حولنا..

•• هذه النقلة النوعية في التفكير التي أخذنا إليها الأمير محمد بن سلمان.. أوجدت في الفترة الأخيرة ومنذ ظهر علينا.. حالة من الأمل.. والتفاؤل.. والانتعاش.. والثقة بالمستقبل، وإن أسلمتنا لحالة من «الذهول»، أو لنقل وضعتنا في عالم من الأحلام الجميلة.. وإن بدت للبعض.. مستحيلة التحقيق بفعل التراكمات التي توارثتها الشعوب العربية المرزوءة بالتخلف والاختلال في الموازين.. بفعل الاستغراق في حالة من حالتين.. هما حالة الفقر.. والكفاف بالنسبة لبعض الدول والشعوب.. وحالة الشبع إلى حد السفه.. والتبذُّل.. والكفر بالنعم.. والتحول من الرخاء إلى الاسترخاء إلى حد «الغفلة» وتعريض الأوطان للخطر تلو الخطر..

مرحلة ما بعد «نيوم»

•• وكما قلت في البداية.. فإن هذا المشروع «المبهر» بمقاييس هذا العصر.. يفرض علينا كشعب.. وكنخب.. وكمؤسسات علمية (جامعات.. مراكز أبحاث على ندرتها.. أجهزة معلومات وتحريات).. أن نُعيد النظر في مختلف أنماط حياتنا.. وتفكيرنا.. وأدوارنا.. ووظائفنا.. في هذه الحياة.. لأن مدينة «نيوم» هي «الأنموذج» الذي يجب سحبه وتطبيقه - بعد ذلك - على كافة مناطق المملكة القائمة.. ومن يعيشون فيها..

•• وبمعنى آخر.. فإن المملكة العربية السعودية - كل المملكة وشعبها - لابد أن تصبح الدولة والشعب الجديد اللذين يعيشان.. ويفكران.. ويتصرفان على نحو مختلف.. في عصر «الروبوت»، والانتقال عبر الفضاء.. والعيش بمقاييس العصر الجديد.. ووفقاً لمواصفات الحياة التي سيكون عليها الإنسان بعد (50) عاماً من الآن.. أو أقل أو أكثر قليلاً..

•• حدث هذا لأن الأمير محمد بن سلمان.. يمتلك القدرة على التفكير خارج زمنه.. من جهة.. ولأنه يريد إخراجنا.. من حالة التشتت والتمزق.. واليأس التي يعيشها الإنسان العربي في الوقت الراهن.. بل ويدفع العالم بشركاته.. ومؤسساته.. ورؤوس أمواله الضخمة بأن يفكر معنا.. ولنا.. وفينا.. بدل أن ينظر إلينا كجزء من منطقة تتجه إلى الانهيار.. والتحلل شأنها في ذلك شأن الإمبراطوريات.. والممالك.. والدول.. والكيانات الضخمة التي اختفت في القرون السابقة والمتعاقبة..

•• وبالتأكيد.. فإن مثل هذا النمط من التحول الكبير في حياة الدول والشعوب.. لا يعتبر أمراً سهلاً.. أو ممكناً.. وبالذات لأنه تحول غير مسبوق في مختلف فترات التاريخ الماضية بحكم اختلاف طبيعة كل فترة تاريخية عن الأخرى..

•• فهل نحن مستعدون لذلك؟!

•• هل الدولة كأجهزة.. ومؤسسات.. وأنظمة.. وقوانين.. جاهزة لمواكبة هذا النمط «الخلاق» من التفكير؟!

•• وهل المواطن السعودي.. بشبابه الذين يشكلون (70%) من سكانه.. أو بشيوخه الذين يمثلون الـ (30%) الباقية مستعدون للانطلاق نحو المستقبل الجديد.. وكيف؟!

تحديات حقيقية وضخمة.. ولكن

•• لكن وقبل الإجابة على السؤالين السابقين.. لابد أن نتوقف طويلاً عند أبرز التحديات التي تواجهنا في الوقت الراهن أو في المستقبل القريب.. فهي وبكل تأكيد تحديات كبيرة وضخمة..

•• لكنني وقبل أن أستعرضها لابد أن أشير إلى أن الإرادة السياسية قد توفرت الآن للتغلب عليها جميعاً.. وأن العمل الضخم الذي يقوم به الأمير محمد بتوجيه من الملك سلمان يحفظه الله ويرعاه.. ودعم شامل من أبناء الوطن.. وبمؤازرة الخبراء والمتخصصين.. كفيل إن شاء الله تعالى بتجاوز كل العقبات والمخاطر والتغلب عليها والوصول إلى الأهداف المرسومة بعناية.. تحفهم جميعاً رعاية الله.. وتوفيقه.. وتحيط بهم مشاعر الجميع.. في مواجهة الأعداء.. والخصوم.. في كل مكان.

•• وعندما تتوفر الإرادة السياسية.. فإن القدرة على استيعاب الأخطار والتحديات الراهنة والمرتقبة.. تستثمر إمكانات العقل الخلاق والمتجاوز لعصره.. لطرح مبادرات ضخمة ثم تحويلها إلى وقائع ملموسة بجهود خارقة.. وتحرك واسع في كل اتجاه.. كما جسد ذلك.. ملتقى الرياض الاستثماري الضخم.. الذي شهدته العاصمة وتابعه على مدى ثلاثة أيام ماضية وحضره أساطين المال والاستثمار في العالم، وسمعنا منهم الكثير من الأفكار والآراء والمباركات والانطباعات المشجعة للغاية.. والمبهورة كثيراً بما نفكر فيه ونهمّ بالدخول فيه.. والإقدام عليه.. ومشاركتنا فيه أيضاً.

• أولاً: التحديات الداخلية

•• من طبيعة التفكير العلمي المنظم.. أن تكون الحقائق هي المصدر الأول للمعلومات التي يعتمد عليها الباحث وصاحب القرار في اتخاذ القرارات المفصلية..

•• وبالتأكيد.. فإن التحديات الأبرز التي تواجه المملكة.. والماثلة أمام أصحاب القرار.. والدافعة لهم في التخطيط لمستقبل هذه البلاد تتركز في التالي:

1 - فقدان مورد النفط

هذا العامل المهم والخطير كان وبكل تأكيد.. وراء التفكير الجاد في ضرورة العمل الفوري والبناء على إيجاد بدائل قوية عن هذا المورد.. وذلك بالتخطيط عبر توسيع قاعدة الاستثمار لكافة المصادر والأصول والثروات البشرية.. والطبيعية.. وتوزيع خارطة هذا الاستثمار على كافة مناطق المملكة.. وتحريك آلة الاقتصاد السعودي في أكثر من اتجاه.. سواء باستغلال الشمس.. أو الأراضي الشاسعة والمفتوحة وغير المستثمرة والتخلص من المشكلات المرتبطة بها.. أو باستخراج الثروات الكامنة فيها.. سواء كانت ثروات معدنية.. أو غازية.. أو باستصلاحها زراعياً.. وتنمية المناطق المحيطة بها وإحيائها..

إضافة إلى تحريك رأس المال الوطني وتوظيفه التوظيف الأمثل بدل تجميده عن طريق صناعات كثيرة.. وعديدة.. وواسعة.. مثل الصناعات العسكرية.. وصناعة الناقلات.. والصناعات التحويلية والاستثمار في السياحة والآثار بكل أنواعها ومراميها.. بعيداً عن التحفظات والممانعات.. وبناء على التراكم التراثي والتاريخي لهذه البلاد عوضاً عن تدمير هذه الثروات.. ودفنها تحت الأرض..

كل ذلك وغيره يحدث في ظل هاجس فقدان هذه الثروة في أي ظرف من الظروف.. بما في ذلك نضوبها.. أو تعريضها لأخطار أمنية من نوع أو آخر.. أو الإجهاز عليها في ظل اكتشاف المزيد من الثروات البديلة على غرار «النفط الصخري».

2 - تنامي موجة التطرف..

بتغذيته من الداخل والخارج.. لأن المملكة قد اختارت الطريق الأمثل لشق طريقها نحو المستقبل، وذلك بمواجهة التطرف بكل أشكاله وألوانه.. لأنها تدرك أن التحول الحقيقي المطلوب يتطلب موقفاً واضحاً وجلياً وقوياً من الدولة بوجه الأفكار والمفاهيم والقناعات التي عطلت مسيرة هذه البلاد على مدى زمن طويل، ودفعت بالمجتع إلى التناقض مع نفسه، ولم يعد يميز بين ثوابته.. وبين المبتدعات التي ظهرت في ظل الطبيعة الروحية التي تعيشها البلاد واكتسبها الإنسان السعودي بفطرته النقية.. مستغلة فيه تدينه.. وسلامة نواياه.. لتدخله في متاهات الغلو.. والتشدد.. والخلط بينهما وبين التدين رغم الفارق الكبير بين هذا وذاك..

•• وعندما قال سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان.. «إننا سندمر التطرف ونقضي عليه فوراً» فإنه كان يدرك أن المرحلة الانتقالية التي تعيشها بلادنا لم تعد تحتمل «الضبابية» في هذا الجانب.. وأن الانطلاق بنا إلى العالم الجديد يستوجب التخلص من هذه الرواسب.. لا سيما أن العالم كله يمارس ضغطاً شديداً علينا.. ويمد يده للتعاون معنا للقضاء على هذا الوضع المخيف..

•• وعلينا أن نتوقع مقاومة شديدة من هذا التيار من الداخل.. أو من العائدين إلينا من الخارج بعد الجهود الدولية الراهنة للقضاء على داعش والقاعدة.. أو من قبل الأعداء والمناوئين لنا في المنطقة ومن خارجها.. الذين سوف تتضاعف جهودهم لتبني هذا التيار ودعمه ومساعدته لتفجيرنا من الداخل..

•• وسوف تتغلب المملكة على هذا الخطر بالمزيد من العمل الجديد على تصحيح خططها وبرامجها التعليمية.. ومراجعة أوضاع المؤسسات الدينية، ومراجعة لغة وخطاب الدعوة.. بالتركيز على الثوابت العقدية.. وتصحيح المفاهيم الخاطئة والمغلوطة.. أو المُستغَلّة لخدمة أهداف سياسية.. أو فقهية مشوشة.. كما أنها لن تسمح بوجود خلايا من هذا النوع.. وذلك بقطع كافة الشرايين التي تمدها بالحياة.. سواء كانت من الداخل أو الخارج.

3 - ضعف مخرجات التعليم..

وذلك بإخراجه من النمط التقليدي الذي اعتاد عليه إلى الوضع الابتكاري والخلاق.. حتى يكون في مستوى التوجهات الجديدة التي تأخذ بها البلاد وتنشدها رؤية 2030 وما يعقبها من خطط وبرامج وتوجهات تذهب بالبلاد إلى آفاق أبعد..

وهذا يتطلب عملاً جباراً.. تتضافر في صنعه الخبرات العلمية السعودية التي تزخر بها جامعاتنا.. وبلادنا.. إضافة إلى الخبرات العلمية الأجنبية التي سبقتنا في مضمار التقدم.. وكسرنا الحاجز النفسي في الاستعانة بها لمساعدتنا على تحقيق ما نخطط له وننشد الوصول إليه..

والهدف الذي نسعى إلى تحقيقه هو أن يكون الإنسان السعودي قادراً على النهوض بمسؤوليته في إدارة شؤون وطنه الجديد بالكفاءة التي تتطلبها أنماط الحياة المبتكرة التي نخطط لها الآن..

• وإذا نحن اضطررنا الآن للاستعانة بخبرات عالمية كبيرة لبناء «نيوم» نموذج المستقبل الجديد.. لأنه لا بد أن نبدأ فوراً في التوجه نحو المستقبل.. فإن التحدي الحقيقي الذي يواجهنا هو كيف نُعد أنفسنا من الآن لإنتاج جيل قادر على التعامل مع الحياة الجديدة.. وإدارة دواليبها.. وتحمل مسؤولية القيادة فيها نحو المستقبل الأبعد.. ضماناً للاستمرار بنفس القوة والقدرة والكفاءة..

ولا شك أن إحداث تغيير بهذا الحجم في مؤسسة التعليم هو بمثابة تحدٍ كبير يتطلب تضافر جهود كافة أفراد الشعب مع مؤسسة الحكم لتحقيقه.. لأنه عملية واسعة ومعقدة.. ولا يكفي أن تكون هناك إرادة سياسية لإحداث التغيير المطلوب دون حصول هذا التجاوب والتعاون والدعم الشعبي الشامل.. وذلك أصبح الآن ممكن التحقيق في ضوء الحماس الطاغي الذي يشهده الوطن من قبل أبنائه في التجاوب مع خطط وبرامج ومشاريع الرؤية وانطلاقاتها القوية نحو المستقبل..

•• وبهذا التماسك بين مؤسسة الحكم وصمود الشعب أمام ضغوط المرحلة وتكاليفها العالية.. فإن المستقبل «الحلم» يصبح حقيقة.

• ثانياً: التحديات الخارجية

•• وضع الأمير محمد بن سلمان وفريق عمله الكبير نصب أعينهم عند التخطيط لمستقبل هذه البلاد مجموعة التحديات والأخطار الخارجية.. وحولوها إلى دوافع للعمل القائم على التحدي.. وعدم الارتهان لها.. بل وتسخيرها نحو صناعة المستقبل الأمثل.. ومن أبرز التحديات الخارجية التي واجهناها ونواجهها:

1) الحروب والصراعات الإقليمية والدولية

• فمن ينظر إلى خريطة الشرق الأوسط خلال الثلاثين سنة الماضية يلاحظ أن هذه الحروب قد أخذت أكثر من صورة.. فهي وبعد أن كانت محصورة في مواجهة بين العرب وإسرائيل.. فإنها تحولت إلى مواجهة بين العرب أنفسهم.. ثم أنها تحولت كذلك إلى حروب وصراعات داخلية بين الأنظمة وشعوبها.. والناتج لهذه الحروب والصراعات هو: التشرذم.. وتمزق الأوطان وتجزئتها.. وطغيان النزعة الانفصالية.. وإضعاف سلطة الدولة.. ووجود دول داخل كل دولة.. كما حدث في العزيزة السودان.. والعزيزة الصومال.. والعزيزة ليبيا.. والعزيزة لبنان.. والعزيزة سورية.. والعزيزة العراق.. وكما قد يحدث في اليمن وفي غيره..

•• وكما حدث في إسبانياِ.. ولما سوف يحدث في إيطاليا.. وقد يمتد إلى دول أخرى في أوروبا.. وآسيا.. وأفريقيا.. وأمريكا الجنوبية خلال العقود القليلة القادمة.

•• هذه الحقيقة المرة والمخيفة.. لا يمكن إيقافها إلا بالقفز عليها والعمل الفوري على إعادة البناء من أجل المستقبل الجديد وهي عملية صعبة.. ومكلفة.. وغير هينة.. ولكنها على ما يبدو باتت تشكل الخيار الأوحد أو الأمثل.. توفيراً للأفضل وتأميناً للحياة الكريمة.. وتجنيباً للشعوب مغبة الأهوال المخيفة التي تعقب حالات التشطير.. والتقسيم.. والتجزئة للأوطان.. وتحويلها إلى دول فقيرة.. يتهددها الخوف والجوع والجريمة من كل جانب..

•• ورغم تكاليف الإعداد الكبيرة من أجل المستقبل الذي نحن مقدمون عليه إلا أنها تبدو أقل بكثير من تكلفة الانتظار والانكماش على الذات.. واستعجال الخطى نحو بناء المستقبل الأكثر أماناً وتجاوز ما قد تسفر عنه حروب المنطقة والعالم من تبعات علينا.

2) المواجهة مع إيران وقوى الإرهاب والتآمر:

•• وبكل تأكيد فإن هذا التحدي هو الأخطر.. ليس علينا فحسب، وإنما على المنطقة بأسرها..

•• والجمع هنا بين إيران وقوى الإرهاب والتآمر.. مقصود.. لأن نوايا إيران المعلنة فضلاً عن الخفية.. تؤكد أنها ماضية في سياسة التمدد إقليمياً.. ليس على الأرض.. وإنما في بث ثقافتها لفرض السيطرة على العقول.. وأنها لن تتوقف على ما فعلته في لبنان وسورية.. والعراق.. واليمن.. وفي بعض دول الخليج العربي، بل ستواصل تدخلها في شؤون دول المنطقة أجمع بصرف النظر عن الضغوط الحالية الأمريكية والدولية.. مستغلة في ذلك مصالح بعض الدول معها.. وبنية بعض الدول الإقليمية في الداخل لتجهز عليها.. وتحول أوطانها إلى ميليشيات تابعة لها..

•• ولا أتوقع أن أي ضغوط خارجية سوف تحول بين إيران وتحقيق سياساتها الخارجية تلك.. وبالتالي.. فإن وضع هذا التحدي في الحسبان.. كان أحد محركات التفكير الجديد الذي جعلنا نفكر في المستقبل بمثل هذه الجدية.. والشمولية.. مع الاستعداد على كل الأصعدة لمواجهة كافة الاحتمالات والتوقعات المترتبة على سياسات إيران العدوانية والتوسعية..

•• والتخطيط لهذا المستقبل كما رسمه الأمير محمد بن سلمان.. يسير في اتجاهين.. اتجاه بناء القدرة العسكرية على أرفع مستوى، سواء في البحر أو الجو أو على الأرض بالعديد من الاتفاقيات التي أبرمناها لتطوير قدراتنا التسليحية.. وآخرها مع روسيا.. أو في الاتجاه الحضاري الآخر.. لبناء دولة متعددة الموارد.. وغير المعتمدة على المورد الواحد.. والقادرة على تحقيق نقلة نوعية في المنطقة.. تحذو الدول الأخرى حذوها في المستقبل بما فيها إيران.. وهي نقلة جديرة بأن تجعل طهران في مؤخرة الركب.. وقد تدفع شعبها إلى فرض إرادته على نظامها الحالي.. لتغيير سياساته.. وتغيير أولوياته.. والالتفات لشعبه.. واستحقاقاته.. والتعايش مع جيرانه.. والتخلي عن سياسات التآمر.. وتبني الإرهاب وممارسته لزعزعة الاستقرار في المنطقة والعالم كناتج للسياسة الإيرانية المفلسة.. وغير البناءة.. أو العدوانية أيضاً.

3) حسابات الأرباح والخسائر للشركات العالمية في تبني رؤيتنا ومشاركتنا في تنفيذها:

•• وهذه مسألة في غاية الأهمية.. لأنه ولأول مرة يُطرح في هذا العالم مشروع مدينة بهذه المواصفات الخلاقة.. وتعطى شركات ومؤسسات العالم المالية والتجارية فرصة الاستثمار والتملك فيها.. ورغم الاندفاع الشديد الذي لمسناه من أكبر الشركات العالمية في الدخول معنا في هذا المشروع.. إلا أن هناك من يثير مخاوف من تغليب المستثمر الأجنبي مصالحه على حساب مصالحنا.. وهي مخاوف لا تخفى على أصحاب القرار لدينا.. ويحاولون بذل أقصى الجهد الآن للحد منها.. ومن تأثيرها على مصالحنا وتحديداً على سيادتنا وحقوقنا..

•• وإذا كانت هناك إشارات عابرة عن بعض الخسائر والمخاوف.. فإن الجهد المبذول الآن لإزالة هذه المخاوف كفيل بأن يجعلنا في منطقة الأمان بدرجة كافية.

4) تقلبات الوضع الاقتصادي العالمي:

•• مهما كانت الدراسات والأبحاث التي نجريها من الدقة.. فإن أوضاع الاقتصاد العالمي النهائية لا يمكن التنبؤ بها.. بدءاً بما قد تمر به أسواق النفط، ومروراً بأوضاع الأسهم والبورصات العالمية.. وانتهاء بما قد يترتب على الأوضاع الأمنية في العالم.. بما فيها حالة التوتر الراهنة بين أمريكا وكوريا الشمالية. وهو وضع خطير للغاية وقد يقلب كل الموازين..

•• وإذا لم تحدث تحولات كبيرة في هذا الجانب.. فإن السياسات البترولية التي تقودها المملكة الآن.. للسيطرة على أسواق النفط بالتعاون بين الدول المنتجة من داخل أوبك وخارجها.. ستكون كفيلة باستمرار السوق على حالة مستقرة لفترة طويلة.. وبما لا يهدد الأسعار بأي انخفاض أو انهيار من شأنه أن يربك حساباتنا ودول العالم الأخرى..

•• وما قمنا ونقوم به من طرح لبعض أسهم أرامكو.. وإدراجها.. يسير في هذا الاتجاه الذي نحن ماضون فيه بحسابات دقيقة لا مجال فيها للتردد أو المحاذير التي يثيرها البعض، لاسيما في ظل سياسة عدم الاعتماد المطلق على هذا المورد على المدى المتوسط فضلاً عن البعيد.. وإن كنا بحاجة إلى أن تظل أعيننا مفتوحة على سوق السلعة.. وأوجاع العالم.. وخططنا المستقبلية أيضاً.

5) مستقبل منطقة الخليج.. ومصير مجلس التعاون:

•• أخشى أن أقول إن الأزمة مع قطر.. رغم محدودية تأثيراتها في حساب التحولات الكبيرة.. سوف تكون سبباً في تغيير نمط التحالفات في المنطقة لا سيما إذا لم تنعقد القمة الخليجية القادمة بمن حضر ودون قطر..

•• عندها سيصبح أمام المملكة ودولتي الإمارات العربية المتحدة والبحرين بأن تعمل معاً.. إلى أن تتحسن الظروف أو تتغير لحساب عودة المجلس إلى كامل صيغته..

•• وإذا لم تنعقد القمة لأي سبب من الأسباب.. فإن المملكة قد تتجه إلى إقامة منظومة جديدة تحكمها مصالح حيوية مشتركة.. وتسهل مهام عملنا من أجل المستقبل.. وتستثمر الشراكة بيننا وبين مصر والأردن في مشروع «نيوم» وتحويله إلى منظومة سياسية عربية تلتحق بها الدول الأكثر تكاملاً في مصالحها وخططها التنموية والمستقبلية والجاهزة للدخول معنا في رؤية عربية أوسع لعالم عربي جديد.. ومختلف في كل شيء..

•• تلك هي أبرز التحديات..

•• وذلك هو المنظور الشمولي.. الذي يصنع به الملك سلمان.. والابن محمد بن سلمان مستقبل هذه البلاد.. وقد تكون سبباً في أن يحدث التحول على مستوى العالم العربي.. لكي تتخلص من كل الأمراض والعاهات والمخاوف التي ظللنا أسرى لها طوال قرون.. وقرون..

•• أما اليوم.. فإننا وإن كنا نواجه تحديات خطيرة سبقت الإشارة إليها.. إلا أن التحدي الأكبر الذي يتوجب علينا أن نهزمه هو تحويل «الأحلام» إلى «حقائق»، ونحن قادرون على ذلك - كما قال سمو ولي العهد.. بالالتفاف حول قيادتنا.. والتفاني في خدمة وطننا.. وبالمزيد من العطاء.. والإنتاج.. والجدية.. والوطنية الصادقة.