محمد البشاري 

مفاجآت بالجملة عاينها الرأي العام المغربي يوم الثلاثاء 24 أكتوبر 2017، طالت بالتحديد الحكومة التي يقودها الحزب الإسلامي «العدالة والتنمية» (إخوان المغرب)، عندما ذكر بلاغ للديوان الملكي أن تقرير المجلس الأعلى للحسابات، أكد أن التحريات والتحقيقات التي قام بها أثبتت وجود مجموعة من الاختلالات تم تسجيلها في عهد الحكومة السابقة، وأن عدة قطاعات وزارية ومؤسسات عمومية لم تف بالتزاماتها في إنجاز المشاريع، وأن الشروحات التي قدمتها، لا تبرر التأخر الذي عرفه تنفيذ برنامج «الحسيمة منارة المتوسط». إنها المرة الأولى التي تتم فيها عملية إدانة حكومة بشكل علني، إذ لم يسبق في تاريخ المغرب الحديث أن تعرضت حكومة لما تعرضت له حكومة «الإخواني» عبد الإله بنكيران (رئيس الحكومة السابق)، سوى ما يروج بين الفينة والأخرى وفي الكواليس بأن الملك غاضب على مسؤول ما، مثل ما حدث في الفترة الأخيرة.

بدأت القضية يوم 15 أكتوبر 2015، عندما ترأس الملك مراسم التوقيع على اتفاقية شراكة تتعلق ببرنامج التنمية المجالية لإقليم الحسيمة، شمال المغرب (2015- 2019)، والتي وقعها، على عهد حكومة بنكيران، عدد من الوزراء أبرزهم وزير الداخلية محمد حصاد، ووزير الأوقاف والشؤون الإسلامية أحمد التوفيق، ووزير الاقتصاد والمالية محمد بوسعيد، ووزير الفلاحة والصيد البحري عزيز أخنوش، ووزير التربية الوطنية والتكوين المهني رشيد بلمختار، ووزير الصحة الحسين الوردي، ووزير السياحة لحسن حداد، ووزير الشباب والرياضة لحسن السكوري، والوزيرة المنتدبة لدى وزير الطاقة والمعادن والماء والبيئة المكلفة بالبيئة حكيمة الحيطي.

كما وقع الاتفاقية مسؤولون آخرون منهم المندوب السامي للمياه والغابات ومحاربة التصحر عبد العظيم الحافي، ووالي جهة طنجة- تطوان- الحسيمة محمد اليعقوبي، ورئيس مجلس جهة طنجة- تطوان الحسيمة إلياس العماري، ومدير المكتب الوطني للكهرباء والماء الصالح للشرب علي الفاسي الفهري، ومدير مكتب التكوين المهني وإنعاش الشغل العربي بنشيخ، والمدير العام لوكالة إنعاش وتنمية أقاليم الشمال منير البويسفي، ورئيس المجلس الإقليمي للحسيمة إسماعيل الرايس.

إلا أنه وبفعل تأخر تنفيذ مقتضيات هذه الاتفاقية التي ستعرف فيما بعد ببرنامج (الحسيمة منارة المتوسط) سيضطر سكان المنطقة المعنية بالاتفاقية إلى الخروج إلى الشارع في إطار مسيرات واعتصامات ووقفات احتجاجية للمطالبة بحقهم في التطبيب والعلاج والسكن والتعليم والأمن والتشغيل وغيرها، فيما اصطلح عليه بـ«أحداث الحسيمة»، أو «حراك الحسيمة»، وهي جميعها مطالب مدرجة في بنود وفقرات الاتفاقية، لتتحول مسيراتهم واحتجاجاتهم إلى مواجهة مباشرة مع القوات العمومية، وتتأجج هذه المواجهة وتصل إلى أوجها إثر مصرع بائع السمك محسن فكري طحنا داخل شاحنة لجمع النفايات، خلال محاولته الاعتصام بها، لمنع مصادرة أسماك، وعوض أن تتجاوب الجهات المعنية مع مطالب حراك الريف المشروعة فضلت شن حملة اعتقالات واسعة في صفوفهم طالت عدداً من المتظاهرين أبرزهم الناشط ناصر الزفزافي.

أحزاب الأغلبية هاجمت هي الأخرى هذا الحراك واعتبرت الفاعلين فيه مجرد مخربين وعملاء انفصاليين يخدمون أجندات خارجية، ومن هؤلاء رشيد الطالبي العلمي، رئيس مجلس النواب وعضو المكتب السياسي لحزب «التجمع الوطني للأحرار»، الذي أكد في تصريح صحفي أن الأوضاع في إقليم «الحسيمة» تطورت بشكل طبيعي في البداية، لكنها سرعان ما بدأت تعرف بعض الانحرافات قادتها مجموعة مسخرة من الخارج لم يفلح معها الحوار، موضحاً أن «كل العناصر تثبت أن أفراد هذه المجموعة منخرطون في مسلسل التمويل من الخارج من قبل خصوم الوحدة الترابية».

وفي مساء يوم 29 يوليو 2017 ثار ملك البلاد في خطاب الذكرى الثامنة عشرة لعيد العرش في وجه المفسدين من المسؤولين المقصرين في أداء مهامهم المنوطة بهم، والتي من أجلها فوضهم الشعب للقيام بها، وانتقد في خطابه النخبة والمنتخبين والأحزاب السياسية في البلاد، معتبراً أن «التطور السياسي والتنموي الذي يعرفه المغرب لم ينعكس بالإيجاب على تعامل الأحزاب والمسؤولين السياسيين والإداريين مع التطلعات والانشغالات الحقيقية للمغاربة».

كانت الأحداث مناسبة لكي يُعطي العاهل المغربي الأمر بالتحقيق في أسباب تأخر مشروع «الحسيمة منارة المتوسط»، وهو التأخر المقلق الذي كشف الغطاء عن واقع سياسي واقتصادي واجتماعي وإداري مؤرق، يعطل مصالح المغاربة وينهك قدراتهم ويسيء إلى سمعة البلاد في الداخل والخارج، وأدت هذه التطورات، كإجراء عقابي أولي إلى توقيف عدد من المسؤولين من مهامهم، بل وحرمانهم من تحمل أية مهمة أو مسؤولية في المستقبل. يأتي هذا الزلزال الملكي في أوج أزمة حزب العدالة والتنمية (قائد الائتلاف الحكومي)، بين الجناح القديم بزعامة الرئيس السابق للحكومة عبدالإله بنكيران الذي نجح في تعديل قانونه الداخلي، للسماح له بالترشح لولاية ثالثة على رأس الحزب ، ضد ما يسميه بنكيران بجناح الاستوزار الذي يقوده رئيس الحكومة الحالي الدكتور سعد الدين العثماني وإخوانه من الوزراء: مصطفى الرميد، عزيز الرباح، محمد بوليف وآخرين.

فهل سينتصر الدكتور العثماني بتعديل حكومي بإشراك قوى وشخصيات سياسية وازنة تقوي تياره في مؤتمر الحزب القادم؟ أم سينجح تيار تكريس ديمومة الزعيم الخالد على منوال أحزاب اليسار بعدما كانت منذ 15 سنة ماضية تُسوّق نفسها كأكثر الكيانات الحزبية الممارسة للديمقراطية الداخلية؟ إنه امتحان كبير للديمقراطية الداخلية في زمن الإرادة الملكية للتغيير والتنمية.